مدن كثيرة ونية واحدة

TT

الأخبار العربية متشابهة إلى درجة الملل: المفاوضات قرب نيويورك حول الصحراء الغربية، أخفقت كما هو متوقع منذ ثلاثة عقود. و«المبادرة العربية» حول لبنان صارت إلى ما أريد لها أن تصير. ولقاء صنعاء ـ بعد طول سفر ـ اتفق على الصورة التذكارية مع المضيف واختلف أهله على كل شيء آخر.

أنا شخصيا لم أشعر بأي إحباط، كما تسمى حالنا المأساوية تخفيفا لوصف اليأس المطلق والتحاقد المخيف. والسبب أنني أعرف، بالغريزة، لا بالعقل، أن الذي ينوي الاتفاق فعلا، لا يذهب إلى نيويورك للتوافق حول الصحراء. ولا يحمل غزة إلى صنعاء، ولا ينقل القاهرة إلى بيروت. هذه كلها تياترو كما يقول المصريون. مسرح وإضاعة وقت ونحر إضافي في جسد أمة عربية ترفض أن تقرأ نعي نفسها.

في غياب النية الحسنة لا يحدث إلا الذي نراه: فشل متنقل من مكان إلى مكان. إذا لم يحترم المتصارعون توقيعهم تحت القسم في مكة وقد حضر الزعماء أنفسهم، فلماذا يحترم ممثلوهم حبر صنعاء. وإذا كانوا قد تكبدوا عناء السفر، ففي غيابهم لم تهدأ مظاهر الكره في غزة والاشتباكات اليومية والاصطدامات والحوادث «الفردية».

وهذه الحوادث الفردية هي التي تضع بيروت كل يوم على حافة الانفجار وتملأ الشوارع والبيوت حقدا وبغضا وشتائم من شرفة إلى شرفة ومن حارة إلى حارة.

يستطيع اللبنانيون والفلسطينيون الاتفاق عندما يصبح القرار قرارهم. عندها يحترم قسم مكة ويستطيع عمرو موسى أن يجمع المحاورين في احتفال سريع. لكن لاحظ جنابك هذا التوارد المذهل في التفشيل: دائما يختلف الفرقاء على التفسير برغم الاتفاق الرائع على البنود نفسها. إنهم متفقون على كل شيء إلا «الحواشي» وبضعة تفاصيل صغيرة مثل الحكم والسلطة وشكل النظام. مساكين الذين في عمرنا. لم يتغير عليهم شيء. فقط تغيرت الوجوه بحكم الزمن، لا بفعل الخيار. الجدد يصابون بـ «الإحباط». نحن مصابون بالملل. كانت اتفاقات بيروت تستمر ثلاث ساعات. وأحيانا ثلاث دقائق. وكان المبعوثون يأتون كل مكان حتى تونس العزيزة. ورحم الله الباهي الأدغم بكل حصافته وأدبه وثقافته. ظل يأتي ويروح والمنافقون جميعا، يكذبون عليه، حتى أثار شفقة كمال ناصر الذي كتب «طقطوقته» الشهيرة:

ترلم ترلم

قد جاء

الباهي الأدغم!