مرشحو الرئاسة الأميركية وأزمة الرهون العقارية

TT

عندما ترشح جورج دبليو بوش للرئاسة لأول مرة، أكد لنا صحافيون أنه سيكون شخصا معقولا ومعتدلا. إلا ان الذين من بيننا ألقوا نظرة على مقترحاته المتعلقة بسياسات مثل خفض الضرائب على الأثرياء بنسبة كبيرة وخصخصة نظام الضمان الاجتماعي، خرجوا بانطباع مختلف. وكنا على حق.

الدرس المستفاد هنا هو انه من المهم إلقاء نظرة فاحصة على ما يقوله المرشحون إزاء السياسات. لا شك ان الوعود السابقة ليست بأية حال ضمانات للأداء المستقبلي. لكن المقترحات الخاصة بالسياسات تعتبر نافذة يمكن من خلالها إلقاء نظرة على الدواخل السياسية للمرشحين، وهي في واقع الأمر نافذة أفضل مقارنة بالمواقف العابرة التي تعكس النوايا أو التصريحات التي تكون خارج السياق.

ترى، كيف يجب ان يكون رد فعلنا على أزمة الرهون العقارية؟ أدلى كل من جون ماكين وهيلاري كلينتون وباراك اوباما خلال الأيام القليلة الماضية بتعليقاتهم حول هذه القضية، وهي تعليقات عكست الكثير من المؤشرات على نمط كل منهم عندما يصبح رئيسا في المستقبل. ماكين، على سبيل المثال، ظهر كشخص «معتدل» وأيضا «خارج على العرف»، طبقا لتقييم يرتكز أساسا على طريقته في التفاعل مع القضية. إلا ان حديثه حول الاقتصاد كان حديث شخص تقليدي ويميني متشدد. صحيح ان حديثه دار في معظمه حول ما لن يفعله أكثر مما سيفعله عندما يصبح رئيسا. مقترحه الرئيسي، حسبما فهمت من حديثه، يتركز حول المناشدة بعقد قمة وطنية للصحافيين. إلا ان لهجة الحديث بصورة عامة دلت على انه تخلص من التوجهات الخارجة على العرف.

أشار معظم المراسلين إلى ان ماكين اعترض تقريبا على مساعدة أصحاب المنازل الذين يواجهون صعوبات في دفع أقساط القروض العقارية على اعتبار ان المساعدة الحكومية، حسب حديثه، «يجب ان ترتكز فقط على منع المخاطر»، وهو ما يعني أهلية مصارف الاستثمار الكبرى وعدم أهلية المواطن العادي. دهشتي كانت أكبر لدى سماعي إعلان ماكين ان «نهجنا في السوق المالية يجب ان يتضمن تشجيع زيادة رأس المال في المؤسسات المالية من خلال إزالة عقبات التنظيم والمحاسبة والضرائب».

حتى المتحمسون لنظام السوق الحر يتحدثون هذه الأيام حول زيادة الإجراءات التنظيمية لشركات الأسهم، خصوصا بعد أن أبدى المصرف المركزي استعدادا لإنقاذها في مواجهتها للمشاكل. بيد ان ماكين يحاول الترويج لأفكار غير مجدية زاعما ان التخلي عن الإجراءات التنظيمية وخفض الضرائب سيحلان كل المشاكل.

حديث هيلاري كلينتون لم يكن مختلفا تماما عن حديث ماكين. صحيح ان اقتراحيها بتشكيل لجنة رفيعة المستوى، تضم آلان غرينسبان، تعيد إلى الأذهان العلاقة المريحة لإدارة زوجها، الرئيس السابق، مع قطاع الاستثمار. إلا ان جوهر سياسة هيلاري حول الرهون العقارية، مثلما هو الحال بالنسبة لمضمون مقترحها حول خطة الرعاية الصحية، يشير إلى قدر كبير من المعقولية.

الفارق البارز بين ماكين وهيلاري كلينتون ربما يكمن في مشكلة إعادة هيكلة الرهون العقارية. نادى ماكين بخطوة تطوعية من جانب المصارف الدائنة، فيما تريد هيلاري كلينتون نسخة حديثة من برامج كانت مخصصة لمعالجة حالات أصحاب الرهون الذين تساوي قيمة منازلهم أقل من ديونهم ثمن خفض أقساط الديون إلى مستوى يستطيع أصحاب العقارات سداده. اما حديث باراك أوباما يوم الخميس حول الاقتصاد، فقد جاء على نفس منوال الأسلوب الحذر لتصريحات سابقة له حول قضايا اقتصادية. شعرت بارتياح إزاء وضوح موقف اوباما القوي الداعي إلى تنظيم مالي أكبر حجما، وهو أمر من المحتمل ان يساعد على تجنب الأزمات مستقبلا. لكن ان مقترحاته لمساعدة ضحايا الأزمة الحالية، اقل فاعلية من مقترحات هيلاري كلينتون. إذ ان أوباما يريد دفع الدائنين إلى إعادة هيكلة الرهون العقارية بدلا عن تدخل الحكومة لحسم المسألة. بصورة عامة يمكن القول ان مواقف المرشحين تجاه أزمة الرهون العقارية تعكس نفس مواقفهم تجاه نظام الرعاية الصحية، وهو موقف يتعارض مع الطريقة التي كثيرا ما يصور بها.

* خدمة «نيويورك تايمز»