ماذا بعد القمة العربية؟

TT

لم تكن قمة دمشق العربية المشهد الوحيد لتفكّك «الأمة العربية». فما يجري في العراق من تنازع وتقاتل بين الطوائف والمذاهب، بل بين أبناء المذهب الواحد، هو مشهد مأساوي آخر. وما يتخبط فيه اللبنانيون، ويصعب وصفه، مشهد ثالث. والانقسام الفلسطيني، مشهد رابع. ولا داعي للاستمرار في تعداد كل مشاهد الانقسامات العربية، «من الخليج إلى المحيط»، أو من «نجد إلى تطوان»، كما قال الشاعر، يوماً، حالماً، كملايين الناطقين بالضاد، بالوحدة العربية. ذلك أن هذا الحلم الكبير والجميل الذي ابتدأت به النهضة العربية، في مطلع القرن العشرين، انتهى، بعد قرن، إلى ما نراه ونحياه ونتمزق ألماً وقهراً أمامه، اليوم.

هل علينا أن نشكر جامعة الدول العربية، وأمينها العام، على تذكيرنا بأننا «عرب» وأن هناك ما يجمعنا في رابطة قومية واحدة. وأن لنا قضايا وأماني مشتركة. أم علينا أن نسلم بأن هذه الأمة العربية، هي في نهاية الأمر، عشرون دولة، وعشرون شعباً، وعشرون وطنية. وأن في داخل كل وطن أو دولة منها، نزاعات عِرقية ودينية وطائفية ومذهبية وثقافية، قابلة للتحريك والاستثارة والتحول إلى نزاعات، قابلة بدورها للتحول إلى حروب أهلية، ولا يحول دون تحولها، إلاّ سلطة قوية، أو حكم سلطوي؟!

وليت المشكلة العربية تتوقف عند هذه النزاعات داخل «الأمة العربية» أو تنحصر في داخل الأوطان العربية. ولا تتعداها إلى العالم. لا سيما بعد أن أنزلت رايات النضال القومي والثورية والاشتراكية، ورفع البعض رايات «الجهاد الديني» بديلاً انقاذياً وحلاً جذرياً لكل ما يشكو منه الإنسان العربي والمسلم، في هذا العصر.

ذلك أن هناك أكثر من معركة جانبية، كي لا نقول حرباً باردة، داخل المجتمعات الأوروبية وغير الأوروبية، بين الأقليات الإسلامية وأكثرية أبناء تلك المجتمعات، يحركها المتطرفون في الجانبين، من حين لآخر، ومن شأنها أن تفسد علاقات العالمين العربي والإسلامي، بالغرب الأوروبي. مما يزيد في الطين بلة.

لقد تسرعت بعض وسائل الإعلام في التهليل لـ«نجاح القمة العربية» التي انعقدت في دمشق. فهل غياب الدول العربية الرئيسية عنها يسمى نجاحاً؟ وهل تبرؤ سوريا مما حصل ويحصل في لبنان، يبشر بالخير ويطلق حل الأزمة اللبنانية؟ وهل تقدمت القضية الفلسطينية خطوة واحدة، بعد هذه القمة؟ وهل عثـــرت القمة على مخرج لمحنة العراق أو مأساة الصومال؟

انعقدت القمة العربية بمن حضر. ولكن ماذا بعد انعقادها؟ وهل سينجح وزراء الخارجية العرب المدعوّون للاجتماع قريباً، في ما لم ينجح الرؤساء في الاتفاق عليه؟ ولماذا لا نعترف جميعاً بأن «الحرب الباردة» انتقلت من «بين الشرق والغرب» سابقاً، إلى داخل العالمين العربي والإسلامي، بل إلى داخل معظم مجتمعاتهما؟

لقد حال امتلاك الأسلحة النووية، وبالتالي خطر الإفناء الشامل، دون تحول الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، إلى حرب عالمية ثالثة. أما الحرب الباردة العربية ـ العربية، والإسلامية ـ الإسلامية، فإنها مرشحة للاستمرار والتفاقم سنوات وسنوات، وربما أجيالاً، لأنها ليست حرباً تقليدية تتجابه فيها القوات المسلحة، بل حرب غير تقليدية، سلاحها المال والإرهاب والميليشيات ووسائل الإعلام. وأيضاً، لأن هناك دولا كبرى تتنافس على الاستفادة منها، وتخصيصاً، إسرائيل التي تراهن على استمرارها وتفاقمها، لتفتيت العالمين العربي والإسلامي، أكثر مما هما مفتتان.

ماذا بعد القمة العربية؟ لا شيء إذا لم «تخرج» سوريا لبنان من محنته. فالعالم بأسره يعرف أن مفتاح الأزمة اللبنانية هو في يد المحور السوري ـ الإيراني. وقد يكون من الطبيعي أن يطلب هذا المحور «ثمناً» لذلك. ولكن ممن؟ وما هو الثمن المطلوب؟ وهل أن الدول الكبرى، الغربية والعربية مستعدة أو قادرة على تأديته؟ أم يدفع لبنان هذا الثمن، مرة أخرى، من أمنه واقتصاده واستقراره وسيادته؟

إن الأجوبة عن هذه التساؤلات ـ إذا كانت ممكنة ـ هي التي ستحكم على نجاح القمة العربية الأخيرة، أو فشلها.