الخاسر الأكبر

TT

مع انتهاء وقائع اجتماعات القمة العربية الأخيرة في العاصمة السورية دمشق، وتقييم أحداثها ووقائعها، لا يملك أي متابع موضوعي وعادل، إلا أن يتأكد أن الخاسر الأكبر من هذه القمة هو المعارضة اللبنانية، التي ثبت للمعلقين أنها لا برنامج وطنيا حقيقيا ومستقلا لديها، وأنها بوق للآخرين وأداة تعطيل لهم. حتى الحلفاء حملوا المعارضة مسؤولية اتخاذ القرار المناسب والتحرك لإنقاذ الوضع بدلا من الاعتماد الكلي والمطلق على الغير. المعارضة اللبنانية التي تحولت إلى «شريك مخالف» بلا هدف ولا منطق سوى تعطيل المعطل وتفتيت المفتت وتجزيء المجزأ، نجحت المعارضة.. نعم نجحت المعارضة وحدها في تكريس النظرة الفوضوية للبنان والتيقن من أن هناك فريقا يريد المرور بلبنان من عنق الزجاجة، وفريقا آخر يريد لبنان أن يبقى لبنان أسير نفسه ومشاكله، وخاليا من كل رموز مؤسساته السياسية الواحدة تلو الأخرى. فلا المعارضة استطاعت أن تساهم في ملء الفراغ الرئاسي بدعم وحسم ترشيح العماد ميشال سليمان، وهو المرشح الرئاسي الوحيد الذي اتفقت عليه كل الأطراف اللبنانية، ولا استطاعت المعارضة اللبنانية أن تقيم وزنا لمؤسسة مجلس الوزراء فعملت على إبطال آليات العمل التنفيذي والإبقاء على حالة الشلل العظيم الذي أصاب كل القطاعات الرسمية، وطبعا لا يمكن إغفال ما حدث في البرلمان اللبناني، الذي حولته المعارضة إلى حائط مبكى وكيان معطل أدخل في غيبوبة طويلة بقرار شخصي بحت. لم تدر المعارضة اللبنانية أنها نجحت وبامتياز في إخراج لبنان من «لبنانيته» وإخراج لبنان من محيطه العروبي وعزله تدريجيا حتى بات كالسجن لأبنائه. ويبدو أن اللبنانيين غير قادرين على التعلم والاستفادة من دروسهم التاريخية، ففي التاسع من أيار 1932 قرر المفوض السامي للبنان هنري بونسو تعليق العمل بالدستور وحل المجلس النيابي بالبلاد فورا، وتأجيل انتخابات رئيس الجمهورية إلى أجل غير مسمى، وكان تبرير هذا الموقف أن السلطات الفرنسية غير مطمئنة إلى سلوك السياسيين اللبنانيين، فبراعتهم في المناورات الحزبية واستغلال النفوذ السياسي، تفوق كثير وعيهم للمشاكل التي كانت تعانيها البلاد واهتمامهم بالمشاكل. هذه اللقطة المؤلمة في تاريخ لبنان تكررها المعارضة اليوم بشكل غير معقول وتصر على تكريس روح الانهزامية وزعزعة الثقة وتكريس الانقسام. تتعدد الطروحات والنظريات عن «أهداف» المعارضة الحقيقية في لبنان، فما بين من يعتقد أنها تسعى لإعادة ترتيب البلاد بإضافة واقعية ديموغرافية جديدة على أرض الواقع السياسي بتغليب فريق على آخرين، وهناك طبعا نظرية تكريس التقسيم الفعلي للبنان على منهاج طائفي ومناطقي بغيض، وطبعا لا يمكن إغفال أن هناك وسائل تسعى لها المعارضة في لبنان لتثبيت موقعها بشكل أساسي مستخدمة كل الوسائل مهما كانت التكاليف بغض النظر عن نوع البضاعة المقدمة.

المعارضة في لبنان خرجت من ثوب الاحتكام الديمقراطي، إلى وصاية الاستقواء بالقبضايات، مذكرين بصبية الحارة الذين إذا فاتهم الحضور على الموعد المنتظر لانطلاق مباراة كرة القدم في الحارة، أمسك أحدهم بالكرة وقال: لن أعيد الكرة لكم حتى العب بشروطي، وإذا لم ألعب سأفسد عليكم.. المشكلة أن لبنان ليست حارة!

[email protected]