قراءة في «ملامح من تاريخ الملك عبد العزيز» 2 ـ 2

TT

أورد الأمير سلمان بن عبد العزيز في محاضرته «ملامح من تاريخ الملك عبد العزيز في مكة المكرمة» مجموعة من المواقف التي عكست الكثير من شمائل الملك المؤسس، ومكارم أخلاقه.. ومن هذه المواقف: حضور الملك عبد العزيز لمتابعة العمل في بناء قصره في المربع، وكان ذلك في رمضان، فشاهد عمالا يقومون بالعمل تحت الشمس الحارقة، فتوقف وسأل رئيسهم عن مواعيد عملهم، فأجابه: «إنه من الصباح الباكر حتى العصر»، فتعجب جلالته وقال: «أنا لا أعمل بيدي واستعمل السيارة وأشعر بالعطش.. من الآن وصاعدا لا تعملوا في رمضان أكثر من أربع ساعات في أول النهار ولكم أجركم كاملا».. فهذا الملك العظيم بنزعته الإنسانية لم يتردد في أن يضع نفسه في مقارنة مع الآخر، ليبني قراره الإنساني، وهذه القاعدة النفسية على درجة كبيرة من الأهمية لاستشعار معاناة الآخرين..

ومن المواقف الإيمانية العظيمة حكايته مع المرأة العجوز حينما أعطاها مبلغا من المال، فأمسكت به، وقالت: من أنت؟ ولم يقل لها شيئا، فهو لا يريدها أن تعرفه، لكنها قالت: أنت عبد العزيز، فقال لها: نعم أنا عبد العزيز، فاستقبلت القبلة، وفتحت جيبها وقالت: «قول آمين.. إن الله يفتح لك خزائن الأرض».. ويقول الملك عبد العزيز: «بعد أن ظهر الزيت عندنا عرفت أن هذا هو خزائن الأرض».. إنه الإيمان بأن ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء، وأن الله ـ كما جاء في الحديث الشريف ـ حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين.

وتتجلى مسؤوليته نحو شعبه، ونصرته للمظلوم، وفيض شهامته في مختلف المواقف، ومنها حينما وصلت إلى باب قصره امرأة مسنة من أهل مكة المكرمة تشكو إليه أمرا في قضية ميراث لها، قائلة ليس لديها من يدافع عن قضيتها، فأخذ جلالته ما بيد تلك المرأة من أوراق قائلا: إنه وكيلها في هذا الأمر، وقام بمتابعة قضيتها شخصيا مع المحكمة الشرعية حتى انتهت.

ومما أورده الأمير سلمان في محاضرته أن الملك عبد العزيز كان يتجه نحو عرفة ورأى جمَالا، وسأله عن أحواله، ثم ناوله صرة نقود، وبعدما تحركت السيارة قال السائق للملك إن الصرة التي أعطيت للرجل كانت ذهبا وليست نقود فضة، فطلب الملك من السائق العودة الى الرجل، واعتقد السائق أن الملك سيستعيد تلك الصرة ويستبدلها بأخرى، لكنه فوجئ بأن الملك ينبه الرجل بأن الصرة التي أعطيت له هي صرة ذهب، حتى لا يخدعه أحد لعدم معرفته بذلك، وأمر السائق أن يمضي في المسير قائلا: أعطاه الله.. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن الكثير من الحكماء يجزمون بأن السخاء قمة الهرم في منظومة فضائل النفس البشرية، فإنه يمكننا أن ندرك حجم الثراء النفسي الذي كان عليه الملك عبد العزيز.. وثراء الشخصية هذا يضعنا أمام مسؤولية رصد جميع سماتها لتكون الملامح الكاملة لهذه السيرة الشامخة هديتنا للأجيال القادمة، ولتكن هذه المحاضرة القيمة للأمير سلمان حافزا ودافعا وباعثا لتسجيل المزيد من الذكريات الخاصة التي عاشها أبناء الملك عبد العزيز في ظلال هذه المدرسة الإنسانية الخالدة.