المساس بمبادرة السلام فخ جديد

TT

دعت قمة دمشق العربية في بيانها الختامي إلى إعادة تقييم استراتيجية السلام مع إسرائيل في موعد أقصاه مايو (أيار) المقبل، ويبدو أن هذه الصيغة تمثل حلا وسطا للمطالب التي طرحت وقت القمة من أجل إعادة النظر في مبادرة السلام العربية.

إعادة تقييم استراتيجية السلام، وإن كانت تعبيرا دبلوماسيا، إلا أنها تعني بأن الخيار الآخر هو الحرب؟ ومَنْ من الدول العربية مستعدة لاعلان الحرب على إسرائيل الآن؟

المشكلة في هذه اللغة أنها ترفع سقف توقعات الرأي العام العربي، من ناحية، من دون أن تكون مقرونة بتصرفات حقيقية. كما أنها تمنح إسرائيل فرصة تريدها، أصلا، وهي أن يلغي أصحاب المبادرة مبادرتهم ويعفون إسرائيل من حرج دولي.

أمر آخر لا يقل أهمية، وهو هل تنبّه البعض في العالم العربي، وعلى وجه التحديد السعودية ومصر والأردن، بأن المقصود من إلغاء أو تعطيل مبادرة السلام يعد أكبر وأخطر من المبررات المطروحة؟

المساس بالمبادرة العربية سيخرج مارد إلغاء الاتفاقيات من قمقمه الشرير. بعد إلغاء المبادرة العربية، كرد على لا مبالاة اسرائيل، أو عدوانيتها، سيفتح الباب لمطالبة مصر بإلغاء اتفاقية السلام مع اسرائيل، وهذا يعني حربا بين مصر وإسرائيل. وقد طرح هذا الأمر في كل أزمة اثارت الرأي العام العربي.

وبالتالي سيطلب من الأردن أيضا إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، وهذا يعني إعلان حرب أيضا بين الأردن واسرائيل، والأمر نفسه ينطبق على السلطة الفلسطينية، وبالتحديد هذا هو مطلب حماس المدعومة من إيران وسورية. وبالتالي فإن المحصلة النهائية ستكون فوضى تؤدي إلى تغيير أوضاع المنطقة كلها.

ولن ينتهي الأمر عند هذا الحد، فإمعانا في تعميم الفوضى، من أجل استثمارها، سنجد الأمر يمتد للمطالبة بإعادة النظر في اتفاق الطائف اللبناني، وبوادر ذلك موجودة، ومطروحة.

مشكلة العالم العربي تكمن في تردد دول الاعتدال في اتخاذ قرار المواجهة مع مثيري الأزمات، في الوقت الذي لا تتردد فيه الدول الطامعة في خلق الفوضى من أجل السيطرة على المنطقة ودفع الأمور إلى حافة الهاوية، من اجل إعادة ترتيب الأوراق، والاستفادة من مراكز القوى الجديدة التي دخلت على اللعبة في لبنان، والعراق وفلسطين.

تردد دول الاعتدال العربية في المواجهة أمر مفهوم على اعتبار أن للمواجهة ثمنا باهظا، لكن يبقى السؤال: هل هناك حل آخر؟

إلغاء، أو تعطيل، المبادرة العربية فخ جديد ينصب للدول العربية المعتدلة، فبدلا من أن يسعى العرب إلى توحيد الصف الفلسطيني، ومعالجة أزمة تعطيل الرئاسة اللبنانية، نجدهم ينشغلون في حفلة مزايدة حول إعادة النظر بالمبادرة العربية.

الغريب انه يطلب من العرب، في قمة دمشق، إعادة النظر بالمبادرة العربية التي طرحت عام 2002 بحجة انها لم تأت بنتيجة، بينما لا يجرؤ أحد على مطالبة سورية بإعادة النظر باتفاقية الهدنة الموقعة بين دمشق وإسرائيل حول هضبة الجولان وهي الموقعة منذ أكثر من ثلاثين عاما ولم يحرر فيها الجولان!

[email protected]