آراء تسيء إلى جميع من يؤمنون بالإنسانية واحترام الآخرين

TT

إن تشبيه النائب الهولندي القرآنَ بكتاب كفاحي (لأدولف هتلر) أمر مثير للاشمئزاز، ويكشف عن جهل مُطبق بالإسلام. فويلدرز يدَعي أنه أنتج فيلماً يعدُ فيه بأن يشرك الجماهير على نطاق واسع في آرائه القائمة على الكراهية.

إن تشويه ويلدرز لقِيَمِ الإسلام الأساسية لا يسيء إلى المسلمين فحسب، وإنما نحن كمسيحيين نشعر بأننا متضررون من هذا الفيلم. لأنه بمهاجمته الإسلام كدين يؤذي مَن يشتركون في المبادئ العالمية لجميع الديانات، وهي: احترام الآخرين، وروح الخير، والتضامن الإنساني.

إنَّ أنسب رد فعل لادعاءات ويلدرز هو، ببساطة، تجاهُلُها. فلأنَّ هذه الادعاءات لا تحتوي على أية محاولة صادقة للبحث عن الحقيقة وبيان حسن النية في محاولة فهم الإسلام، سيكون أفضلُ ردٍّ عليها سكوتاً مدوِّياً.

غير أن هناك عدة أسباب ربما لن تُمَكِّننا من تجاهُل آراء ويلدرز في القرآن. منها أوَّلاً أن هذه الادعاءات مصمَّمَة باستهتار للإساءة ووضعِ إسفين من سوء الفهم بين الطوائف. فالتعامُلُ مع دينٍ والسؤال عن مواعظه ـ بغية فهمه فهماً أفضلَ ـ شيءٌ، وانتقاده ـ بتوجيه بيانات مسيئة له ولا أساس لها من الصحة ـ شيءٌ آخر مختلفٌ تماماً.

أنا قلق غاية القلق من ادعائه بأن الفيلم سيكشف بما لا يدع مجالاً للشك عن أن القرآنَ نَصٌّ يولِّدُ العنف والكراهية في العالم. فهذا التشويه للحقيقة ليس خبيثاً فحسب، وإنما هو خَطِرٌ أيضاً.

أليس القصدُ من إثارة الكراهية ضد القرآن هو ـ في الواقع ـ توليد العداوة لمن يؤمنون بأن القرآن مقدس؟ أوليس القصدُ من وراء القدح في الإسلام هو توليد العداوة للمسلمين كطائفة؟

إن التماس معرفة الدين مسعىً مشروعٌ؛ لكن استفزاز الناس إلى العنف بإشعال لهيب الكراهية ليس مسعىً مشروعاً. وإن آراء السيد ويلدرز في الإسلام والقرآن مسيئة، لا لأنها إساءة استخدامٍ للحق في حرية الكلام فحسب، وإنما لأنها إساءة إلى دينٍ وإلى مَن يعتنقونه. لم تُطلَق هذه الادعاءات لطرح أسئلة أو إثارة نقاش؛ وإنما أُطلقت، بكل بساطة، لاستفزاز ردود فعل عنيفة من المتطرفين في كل جانب.

وإنه سينبغي لنا، مجتمعين، أن نقاوم أية محاولة للتشنيع على أي مُعتَقَدٍ أو دين. ويجب علينا، بدلاً من ذلك، أن نتعامل في حوارٍ بَنّاءٍ وصادقٍ لكي نفهم معتقدات بعضنا بعضاً. وبهذه العملية، يُرَجَّحُ أن نكتشف أن ما يُوَحِّدُنا أكثر كثيراً مما يُفَرِّقُنا.

* رئيس الأساقفة الإنجليكاني السابق في كيب تاون بجنوب إفريقيا، ومؤسس مؤسسة ديزموند توتو للسلام.

يكتب لـ «الشرق الأوسط»