النساء لا يتقاعدن

TT

رأينا بنازير بوتو في المنفى تكافح عاما بعد عام من أجل العودة. كانت تعرف جميع المخاطر التي تنتظرها، لكنها أصرت على العودة. لا تقاعد في حياة السياسيين. ورأينا انديرا غاندي من قبل تسقط برصاص حراسها السيخ. وها هي هيلاري كلنتون تستمرئ طعم السكن في البيت الأبيض الذي خرجت منه سيدة أولى فتقرر العودة إليه أميركية أولى، كاملة الصلاحيات. ومن أجل ذلك خاضت معركة مجلس الشيوخ في نيويورك وانتظرت ثماني سنوات ثم راحت تخوض إحدى أكثر المعارك جهدا وتعبا وعناء ومخاطر.

شاهدنا قبل فترة البارونة ثاتشر تدخل المستشفى وتخرج منه مثقلة بآثار التعب والسنين. كانت الأكثر صراحة بين نساء السياسة. عندما خرجت من داوننغ ستريت عام 1990 كانت قد أحصت مدة الولاية يوما يوما. تطلعت في الباب الأسود الصغير وقالت «لقد أمضيت هنا 11 عاما وستة أشهر و24 يوما. إنني أترك عالم الضوء لكي أدخل الظلمة».

كانت ثاتشر قد اشترت منزلا في ضاحية «دالديج» لكنها رأت أن المنطقة بعيدة عن مناخات العمل السياسي في وستمنستر «والتقاعد لم يكن واردا بالنسبة إليّ. كان عليّ أن أجني بعض معيشتي. وفي أي حال كنت سأصاب بالجنون دون عمل».

فيما جاءت انديرا غاندي من عائلة استقلالية كبرى وكذلك بنازير بوتو، جاءت المحامية هيلاري كلنتون من عائلة ثرية ثم دخلت السياسة من مصاهرة البيت الأبيض. لكن مارغريت ثاتشر حكاية أخرى في العمل السياسي: كانت مارغريت هيلدا روبرتس ابنة بقال، درست الكيمياء في اوكسفورد وعملت في مختبر. لكنها أرادت العمل الثاني فدخلت الجامعة مرة أخرى ودرست القانون وأخذت تعمل في المحاماة.

المؤسف أنها أرغمت على التقاعد، الذي لم يكن خيارها، كما تقول في الجزء الثاني من مذكراتها.

فقدنا في لبنان العام الماضي سيدة كانت مزيجا من إرث انديرا غاندي وشجاعة بنازير بوتو وفولاذية مارغريت ثاتشر. وقد دخلت الحرب على لبنان قبل أن تصبح علياء الصلح رئيسة للوزراء خلفا لوالدها رياض بك، الذي اغتيل في عمان عام 1951. وكان معظم الرؤساء يفكرون في تكليف علياء برئاسة الوزراء ثم يتراجعون، إذ يشعرون أن شخصيتها الثقافية والسياسية سوف تطغى على الجميع.