الاقتتال الشيعي

TT

ما نراه اليوم في العراق متوقع، فهذه مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام. وأقول إنه ليس صعبا على تلميذ الدراسات السياسية ان يدرك ان نظام صدام الفردي بعيوبه الخطيرة كان الرابط الوحيد لنسيج البلاد. وكان يستخدم عذرا بليدا للقبول بنظام فرعوني شرس، لكن سقوطه كان مسألة وقت، وكانت توقعات الناس المستقبلية تنذر بالحرب الاهلية بسبب اعتماده الكلي على القوة للبقاء، وهي وسيلة تضعف مع الوقت حتى بدون تدخل خارجي.

وكان أمرا محتملا ان يجرّب العراقيون وسائل الحكم الأخرى، بما فيها حكم الطوائف والمرجعيات، على اعتبار مركزية الاحزاب الدينية في تجمع المعارضة وتاريخها الطويل فيه. لكن كل من يدرس التاريخ يعرف انها هي الأخرى مثل بقية الانظمة المؤدلجة محكومة بالفشل، لأن في داخلها نزاعا مستمرا على الحكم وعلى تفسير النظام المثالي وتقوم على الإقصاء.. باختصار هي ضد الفكر الديموقراطي حتى وإن جاءت على ظهره وحكمت باسمه.

الاقتتال الحكومي مع تيار الصدر، في حقيقة الأمر، وقع متأخرا، إذا نظرنا الى تسلسل النزاع على الحكم. فالصدريون يعتقدون انهم يمثلون قوة كبيرة على الأرض، وكتلة مهمة في البرلمان، ولهم حق تاريخي، ونضالي أيضا. وكان من المنتظر ان يتمردوا من خلال منازعة الحكومة على الارض وفرض سلطانهم، كما حدث في الجنوب، او ان يفرغ صبر النظام الحالي الممثل بتحالفي «بدر» و«الدعوة» فيسعى لتقزيم الصدريين، لذا كان متوقعا ان تقع المواجهة التي نراها اليوم.

الآن لدينا سجل فيه دماء ونزاعات جغرافية وسياسية بين اركان السلطة في العراق، وهي مرشحة للاستمرار حتى بعد انكسار شوكة الصدريين. وهذه مرحلة يفترض ان نسميها بمرحلة ما بعد صدام. فكل ما نراه حاليا مبني على نقض النظام السابق لا بناء نظام جديد، سواء إقصاء البعثيين او تهجير السنة او تمليك السلطة الحالية للاحزاب المعارضة سابقا.

لا ادري ان كان الفاعلون في العمل السياسي يرون انهم يستطيعون الخروج من هذه العقلية، وبناء نظام عراقي قادر على استيعاب كل العراقيين. ففيه انقاذ للوضع الشيعي المضطرب الذي سيستمر كذلك بسبب النزاع داخله وليس مع الاطراف الأخرى. وربما نستطيع ان نفهم ان تقوم اقلية بتصميم نظام سياسي يحميها ويخدمها، لكن ليس العكس. فشيعة العراق هم اغلبية يمثلون نصف السكان، في حين ان السنة العرب عشرون في المائة، والاكراد عشرون أخرى، ما يعني ان نظاما ديموقراطيا حرا سيخدم الاغلبية بشكل مؤكد كما حدث في المرات الماضية. واعلم ان هناك من يقول إن «الدعوة» و«بدر» و«التيار الصدري» كلها كسبت عدلا عبر صندوق الانتخاب، وهذا الى حد كبير صحيح لكن المشكلة ان اختصار العراقيين الشيعة في احزاب دينية عمليا سيمزقهم، وأجزم انه لو استمر الانتخاب حرا فان الشيعة قبل غيرهم سيصوتون ضد هذه الاحزاب. وما يروى من الداخل يؤكد ان العديد من العراقيين صاروا محبطين من اداء الاحزاب الدينية، وهذا امر طبيعي كون الحزب الحاكم في اي بلد في العالم لا يستطيع الاستمرار في اطار تداول السلطة، فكيف يمكن تداول السلطة اذا كانت كلها احزاب دينية؟

[email protected]