رسوم وأفلام.. المهم الردود

TT

لربما شعر بعض الإعلام الهولندي والأوروبي بالإحباط جراء ردة الفعل الهادئة نسبياً التي أعقبت عرض فيلم «فتنة» للسياسي اليميني الهولندي غيرت فيلدرز على شبكة الانترنت، خصوصاً أن عرض الفيلم تجاوز حدود التمسك بحرية الرأي والتعبير، ليغدو اختباراً فعلياً لردود فعل المسلمين إزاء التباس جديد حول معتقداتهم وهوياتهم وبالتالي افتعال احتكاك جديد بين الإسلام والغرب.

الفيلم البالغة مدته 17 دقيقة والذي أثار ضجة هائلة قبيل عرضه هو في الحقيقة وجهة نظر متطرفة وتجنح نحو التنميط السائد للمسلمين في العالم. صحيح إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الربط بين العنف والإسلام لكن اللافت هو إضافة موقف من النوع الذي ختم به الفيلم الذي انتهى بعبارة «أوقفوا أسلمة أوروبا»، وهذا بالضبط يعني وضع ملايين المسلمين في أوروبا والذين باتوا يشكلون 3% من مجموع سكانها في خانة الاتهام وهو ما يزيد من معاناة هؤلاء المهاجرين الذين هربوا أصلا من أوضاع صعبة في بلادهم. التهويل الذي سبق عرض الفيلم وضع مسلمي أوروبا ومسلمي العالم في أجواء متوترة، خصوصاً مع التوقعات التي نشرتها الصحافة بأن يثير الفيلم أزمة كبيرة وتحركات وربما أعمال عنف. لكن ما بدا إيجابياً هو عدم انجرار الكثير من المسلمين نحو ردود فعل مشابهة لتلك التي أعقبت نشر الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية من قبل، إذ ليس خافياً أن ردود الفعل الكبيرة وغير العقلانية التي أعقبت قضية نشر الرسوم عززت الصورة النمطية عن المسلمين بسبب التجاوزات التي آلت إليها الاحتجاجات في بعض البلدان الإسلامية. منذ اندلاع أزمة الرسوم وقبله اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان غوغ ولاحقاً فيلم «فتنة» اتخذت الأزمة بعداً جديداً يتعلق بعمق المفاهيم المؤسسة للوعي الأوروبي والغربي. فالمجتمع الأوروبي اجتاز مخاضا تاريخياً تجاوز خلاله المعتقدات الدينية ونزع عنها كل صفات القداسة في إطار ممارسة الغرب لحرية المعتقد والتعبير. وبالتالي فإن الأديان والأنبياء لا يحظون في الغرب بنفس المكانة التي هي عند المسلمين. لا شك أن إعادة نشر الرسوم الدانمركية وبث فيلم من نوع «فتنة» ليس بريئاً ولا يدرج في خانة الدفاع عن حرية التعبير بقدر ما هو حشر المسلمين وتأكيد على نزعة التطرف والتعصب لدى شرائح واسعة منهم وهي نزعة لا يمكن إنكارها عن شرائح واسعة من المتطرفين. العقلانية النسبية التي ظهرت في الردود الهادئة على فيلم «فتنة» هي بداية لا بد أن يستثمرها المسلمون وبالتالي الانتقال من مرحلة تحمل شعارات من نوع «اذبحوهم بسبب رسومهم المسيئة» إلى مرحلة الردّ الهادئ الذي يجعل نشاطات من نوع الرسوم والفيلم بمثابة أمور عادية وهذا وحده كفيل بتحجيمها وحصرها في نطاق محدود، تمهيداً لنقاش جدي حول جذور الخلاف بين المسلمين والغرب. الأوروبيون يعيشون هاجس الخوف من الإسلام الذي بات في داخلهم وقريباً منهم، والمسلمون باتوا أسرى جماعات المتطرفين التي باتت المظهر الحصري اليوم للمسلمين. عدم افتعال ردود فعل عنيفة هو مدخل لعقلنة النقاش الذي لن يكون سهلا على كل حال.

diana@ asharqalawsat.com