وأخيرا وجدت من هو أكثر عشقا!

TT

بصراحة ولا يخجلني ذلك، فإنني أحب أن أذهب إلى محطات السكك الحديدية. أجلس وأشرب القهوة وأقرأ الصحف وأتناول غدائي وأدعو الأصدقاء وافتعل أعذارا لا يصدقونها أحيانا. وكنت أتستر على هذه الهواية أو هذا الإدمان.. فأنا أحب منظر القطار والدخان يتصاعد منه. وأراه شامخا فوق قضبانه الحديدية.. وأراه ينفث الدخان وهو يستعد لرحلة طويلة متجددة. لأنه لا يمشي في الشارع وإنما على قضبان حديدية.. وأرى القطار كالدنيا. هذا واقف وهذا جالس. وفي كل لحظة ينزل بعض الناس ويمضي القطار إلى هدفه..

وكنت أرى أن مطاعم السكك الحديدية أرخص من المطاعم الأخرى. وفي المحطات دورات مياه نظيفة وحمامات. كل شيء فيها يعجبني. فالناس تتحرك وكل واحد إلى هدف. وفي طريق. لقاء ووداع وقبلات، وأحيانا دموع. دنيا وآخرة. في محطة مدينة موسكو وسكك حديد روما ولندن وهايدبيرج وبرلين وطوكيو.. ولا أضيق برائحة الفحم ولا بالضوضاء. وكنت أطوي نفسي على هذه الأسرار وكأنها فضيحة..

حتى قرأت كتابا عن الموسيقار التشيكي أنطوين فور جاك (1841 ـ 1904) فوجدت عجبا. إنه يذهب إلى المحطة عدة مرات في اليوم. ويعرف أرقام القطارات والعربات ومواعيد الوصول والإقلاع. حتى عندما يلقي محاضراته في معهد الموسيقى ينظر إلى ساعته عندما يسمع صفير القطار ويقول: جاء في موعده.. أو تأخر دقيقتين.. أو لقد غيروا قاطرة الساعة التاسعة فليس هذا صوتها الذي اعتدت عليه. ويترك المحاضرة ويذهب إلى المحطة. ويجدهم قد غيروا القاطرة كما أدرك تماما.

وفي يوم جاءه خطيب ابنته متأخرا عن موعده. واعتذر قائلا: إن القطار رقم 9501 قد تأخر دقيقتين. فما كان من الموسيقار إلا أن قال غاضبا: ليس صحيحا أن هذا هو رقمه.. بل رقمه 7145 وهو لم يتأخر دقيقتين بل ثلاثا! ثم نظر إلى ابنته غاضبا: هذا هو الشاب الذي تريدين الزواج منه؟!

وتركهم واتجه إلى المحطة ليعرف سبب التأخير ونسي حفلا موسيقيا سيحضره الإمبراطور والأمراء!