عود إلى الدكتاتورية (3 ـ 4)

TT

خالد القشطينيحضرت قبل أيام ندوة مصغرة عن الديمقراطية. جرى فيها نقاش طويل بشأن التجربة الديمقراطية في العراق. انتهى الكلام وانصرف الحاضرون. خرجت مع عريف الندوة وكان باحثا بريطانيا أذهلني بمعلوماته عن الأحوال الراهنة الآن في العراق من مشاهداته الشخصية لدى زياراته المتكررة للبلد. اختليت به وسألته ماذا ترى بصراحة وما مصير هذا البلد المعذب؟ قال انس كل هذا الكلام الذي تفوهنا به عن الديمقراطية. العراق بلد خرب. ولن يقف على قدميه ما لم يظهر دكتاتور جديد يلم أشلاءه ويعيد بناءه. كان كلاما غريبا من إنجليزي سعت حكومته إلى إقامة الديمقراطية في العراق.

نقلت ذلك الحديث لباحث عراقي وصل مؤخرا من بغداد. قال، هذا ما يقوله كل العراقيين. قلت له وهذا ما أسمعه في لندن أيضا من كل من أتحدث إليه.

الكماشة التي وقع فيها العراق الآن بين النار والشيطان. يعرف الغربيون اليوم أنه لن ينقذه شيء غير الدكتاتورية، صدام حسين جديد ولكن أقل جنونا منه وأحسن عقلا. ولكن يصعب عليهم بعين الوقت تطبيق ذلك في هذه المرحلة التي يدعون فيها تبني الديمقراطية. طالما بقوا في العراق سيبقون ملتزمين بهذا الواجب. وكلما ظهر صدام حسين جديد وبادر بالذبح والضرب، ثار الرأي العام الغربي على حكوماتهم التي تجد نفسها الآن مكبلة اليدين. لا يدرون ماذا يفعلون. إذا خرجوا، غرق العراق في لجة من الدم يتحملون مسؤوليتها. إذا بقوا تعذر قيام الدكتاتورية المنشودة. فلن يليق بهم أن يقفوا على التل ويتركوا مثل هذا الدكتاتور يقيم المشانق في مفرق كل طريق. وهذه واحدة من المواقف التي تصبح فيها حكاية حقوق الإنسان لعنة على الإنسان.

لهذه الكماشة فك آخر. خروج الأمريكان من العراق سيؤدي إلى لجة من الدم. وعبر هذه اللجة قد يظهر في الأخير الدكتاتور المنشود الذي ينجح في فرض سيفه على الجميع. ولكن من يضمن ذلك؟ هل ستقف إيران على التل وتترك هذا السيف يعمل كما يشاء وأمامها هذه الفرصة لإعادة سلطانها على العراق أو جنوب العراق ويستسلم لها الناس في يأسهم من مصيرهم؟ لقد كلفها تدخلها في الشأن العراقي ملايين، إن لم أقل بلايين الدولارات. أفلا تنتظر أن تغترف شيئا من استثمارها هذا؟

قلت مرارا إن أمريكا دولة غير مؤهلة لقيادة الديمقراطية في العالم. أثبتت التجربة العراقية مصداق قولي. وهذه هي المأساة الحقيقية وليس مأساة العراق. فالأمريكان أظهروا للعالم في تجربتهم في العراق وأفغانستان أن العرب والمسلمين، وربما كثير من الشعوب، غير مؤهلين للديمقراطية ولا يصلح لهم غير السلطوية. وهذه هي النغمة التي أ سمعها في هذه الأيام. وهي مأساة شخصية بالنسبة لي كواحد قضى حياته في الدعوة للديمقراطية. كيف ننسى ذلك لأميركا؟