بعد قرار حل مجلس الأمة.. هل تدخل المرأة الكويتية البرلمان؟

TT

كنت من ضمن وفد نسائي ثقافي تونسي في زيارة ثقافية وإعلامية الى دولة الكويت، عندما صدر المرسوم الأميري بحل مجلس الأمة، وعاينت عن قرب حالة الارتياح في بعض صفوف النخب الثقافية وحتى السياسية التي التقينا بها. ومن خلال التحاور وتبادل وجهات النظر مع ناشطات سياسيات مثل السيدة شيخة النصف رئيسة الجمعية الثقافية النسائية، والأستاذة عايشة الرشيد رئيسة مجلس إدارة مؤسسة أداء برلماني متميز، يمكن القول إن حل البرلمان يخدم في بعد من أبعاده المصلحة السياسية للمرأة الكويتية إذ يمثل قرار حل مجلس الأمة، فرصة ذهبية جديدة أمام المرأة الكويتية، لتفعيل حقوقها الدستورية التي أقرت يوم 16 مايو 2005، باعتبار أن الانتخابات المتوقع خوضها خلال شهر مايو القادم، من المنتظر أن تشهد مشاركتها بحيث تغتنم النخبة السياسية النسائية هذا الحدث، وتحاول أن تطوعه لما فيه مصلحة تفعيل حقوقها السياسية التي تشهد عراقيل في واقع الممارسة السياسية خصوصا فيما يتعلق بدخول مجلس الأمة.

وحتى إذا كان بعض المراقبين يرون أن نظام الدوائر الخمس الذي سيعتمد في انتخابات مجلس الأمة المقبلة، لا يمكن الكويتية من الوصول الى كرسي البرلمان، لأنها ستبقى ضمن التيارات، فإن هذه القراءة ومهما كان سقف مصداقيتها عاليا، فإن ذلك من المفروض ألا يحد من طموح النخبة النسائية الناشطة سياسيا في الكويت، ذلك أن الانتخابات المنتظرة بعد شهرين، تعد فرصة مهمة كي تمحو فيها المرأة الكويتية فشلها في الانتخابات السابقة وتظهر أن تلك التجربة قد تعلمت منها كيف تعمل ضمن استراتيجية وبالإستناد الى مقدرة عالية في التنظيم. بمعنى أن الفرصة حاليا سانحة أمام المرشحات لكرسي البرلمان والمطلوب منهن أولا وأساسا قطع جولة ناجحة تقوي رصيدهن وتلمع صورتهن وترفع من حظهن في المستقبل، وهو ما يفيد انه في أقل الحالات، ستجني المرأة الكويتية من مشاركتها القادمة في الانتخابات خبرة تحتاجها وتعوزها في الوقت الراهن.

إن فشل الناشطات سياسيا في الانتخابات السابقة واللاواتي بلغ عددهن 27 امرأة على رأسهن السيدات عائشة الرشيد وغنيمة الحيدر ورولا دشتي رغم تقدمهن ببرامج انتخابية واضحة وجادة، هو فشل نسبي باعتبار أن المرأة الكويتية اجتازت معركة الانتخابات من دون مستندات انتخابية تعينها على غرار الاعتماد على نظام «الكوتا» كما هو الشأن في عدة بلدان. لذلك فإن المعركة ليست سهلة بل هي حامية الوطيس وتعيش فيها المرأة الكويتية مخاضا عسيرا بسبب الطرف المعترض على جلوسها في كرسي البرلمان والذي يتكئ على مستندات ثقافية دوغمائية متشددة. ولعل الصعوبات العالقة في طريق تفعيل الحقوق السياسية للمرأة الكويتية هي التي ستجعل مذاق حلاوة النجاح خاصا ومميزا، وإن كانت حسب رأينا مسألة الأخذ بيد المرأة الكويتية ولو بشكل مرحلي من خلال نظام «الكوتا»، تستحق التفكير والنظر لأنها ستساعد الناشطات سياسيا على الدخول الى مجلس الأمة لإظهار كفاءتهن السياسية، خصوصا أن مجلس الأمة بحاجة الى شيء من التأنيث في أقرب وقت ممكن إذ ينص المنطق الديمقراطي على ضرورة تمثيل النســاء الكويتيـــات البالغة نسبة حضورهن في المجتمع الكويتي 57 في المئة أي أكثر من النصف.

وبالإضافة الى المعطى الديمغرافي، تملك المرأة الكويتية مبررات واستحقاقات متعددة الأبعاد. ولعل الاعتبار التاريخي والسوسيولوجي، يترأس قائمة الاعتبارات المقصودة. من ذلك أن المرأة الكويتية قد لعبت دورا في الفعل الاجتماعي على مدى التاريخ، حيث كانت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، أي فيما يطلق عليه بزمن الغوص، تسوس عائلتها في غياب الزوج الذي يخرج في رحلة الغوص طيلة شهور. كما أنها في محنة الغزو قامت بدورها في المقاومة، وعاشت التعذيب والسجن شأنها في ذلك شأن الرجل من دون أن ننسى مساهمتها الفعالة في التحديث والتنمية منذ الستينيات الى اليوم.

أما على مستوى النضال الحقوقي السياسي، فإن تعلق المرأة الكويتية بحقوقها ليس حديث العهد. ويكفي في هذا السياق أن نأتي على ذكر نورية السداني الناشطة سياسيا وأول من بادرت بطلب الحصول على حق المرأة السياسي في الكويت. فهذه المرأة الرمز قد قدمت وثيقة الحقوق السياسية للمرأة الكويتية لمجلس الأمة عام 1971، وهي أول وثيقة في تاريخ الكويت السياسي يناقشها مجلس الأمة الكويتي وكان عمر نورية السداني آنذاك 24 عاما. وقد تضمنت الوثيقة التاريخية المذكورة والتي نوقشت في ثلاث جلسات برلمانية مطالب واضحة وجريئة مقارنة بسياقها الزمني وهي:

ـ المطالبة بحق المرأة لممارسة عملية الانتخاب غير مشروط.

ـ المطالبة بمساواة المرأة في جميع ميادين العمل وضرورة إتاحة الفرص أمامها للترقي والوصول الى المراكز الإدارية العليا أسوة بالرجل.

ـ المطالبة بمساواة المرأة العاملة بالرجل في وزارة الخارجية وضرورة انخراطها في السلك الدبلوماسي.

وبالنظر الى تاريخ نضال المرأة الكويتية من أجل حقها السياسي، يتأكد لنا أن المرأة تصل الى ما تريد حتى ولو يخيم الفشل على جولة من جولات معركتها السياسية التاريخية. زد على ذلك أن الشخصيات النسائية التي مسكت مواقع قيادية أظهرت حنكة وصلابة ومسؤولية سواء وزيرة التربية السيدة نورية الصبيح التي اجتازت محنة الاستجواب بسلام أو الدكتورة معصومة المبارك التي التي لم تتراجع عن تحمل مسؤولية حريق نشب في مستشفى وقدمت استقالتها بكل شهامة.

ومن جهة أخرى إذا ما وضعنا في الاعتبار أن منظمة الأمم المتحدة أصبحت تعتمد المشاركة السياسية للمرأة مؤشرا من مؤشرات التنمية، فإن هذا المعطى والمستندات الأخرى المذكورة تجعل من جلوس المرأة الكويتية على كرسي البرلمان مسألة آتية لا محالة حتى ولو لم يحالفها الحظ في الانتخابات القادمة.

ونعتمد في ثقتنا هذه على تاريخ حافل بالأدوار والتعب والنضال، يمتد من زمن الغوص ويتواصل الى اليوم حيث تشرئب أعناق الكويتيات نحو مجلس الأمة.

[email protected]