سيرة «الحزب»!

TT

طول عمري بخاف من الحزب وسيرة الحزب! هكذا يبدو التعليق الممكن على وضع حزب الله الحالي في لبنان هو الغموض الكبير في نواياه، فبينما يبدو أن المواجهة المباشرة التي كان يعد لها العدة وتقرع لها الطبول بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، انتقلت إلى مواجهات فرعية ولكن تظل في غاية الأهمية والدقة والحساسية.. لعل ما يحصل الآن في البصرة والمواجهة الدموية الكبيرة بين جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وبين الحكومة العراقية وقواتها وبدعم هائل من القوات الأمريكية (مصحوبة بدعم آخر من القوات البريطانية التي أرجأت انسحابها الذي كان مجدولا لـ1500 فرد من قواتها العسكرية بالبصرة).. هذا «الانقلاب» في المواقف يبدو غريبا وغير مفهوم أبدا إلا في السياق المتعلق بالمواجهة الممتدة بين الولايات المتحدة وإيران. واليوم إيران تسعى لتدريب المواجهة لتصبح على أكثر من جبهة وفي أكثر من بلد. وهناك توقعات وتقديرات جديرة بالاهتمام تقول إن المواجهة القادمة ستكون في لبنان، وستكون أدواتها حزب الله وترسانته الكبيرة.

ولكن يبقى السؤال كيف ستوظف هذه الطاقة العسكرية الهائلة وبأي اتجاه ستوجه ومتى وكيف؟

إنها أسئلة بالغة الأهمية توضح أن هناك حروبا واضحة المعالم وأن هناك حروبا أخرى لم تتضح بعد لليوم. هذا الغليان في المنطقة ووجود إدارة في الحكم بأمريكا تفتقد إلى الحكمة وإدراك الأبعاد المهمة للسياسة في المنطقة، فتسعى للتجربة والتعلم من الخطأ على حساب أمم وشعوب، فبحجة ترويج الديمقراطية ونشر الحقوق، وتحرير الشعوب والبحث عن أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الإرهاب، تحولت جميعها إلى ادعاءات في ظل سقوط مدو لأهداف الإدارة وأساليب إدارة الحرب وما بعد الاحتلال. وكان الخطأ الكبير للاحتلال الأمريكي بالعراق ومجموعة المحافظين الجدد هو عدم قدرتهم على التصرف وبالتالي على الاستفادة من النفط العراقي وعوائده، وبالتالي كان لا بد من إحداث واقع «جديد» في المنطقة بتأجيج الوضع الأمني والسياسي وإحماء نار المواجهة مع إيران محدثة توترا اقتصاديا رافعا سعر برميل البترول من 60 إلى 110 دولارات في فترة المواجهة كلها، واليوم لا تتمكن إدارة بوش من إعادة أسعار النفط إلى الخلف وبالتالي محدثة الاستقرار المطلوب في اقتصاديات العالم بلا استثناء، ولكن مع الرعونة والتعنت المستمر للإدارة الأمريكية وفقدانها لقدرة التعامل المباشر مع إيران والإذعان لرغبات إسرائيل باعتبار إيران العدو الأول بالمنطقة. كل هذا التطور المتواصل في الأحداث، والاضطرابات المتتالية أصابت الاقتصاد الأمريكي نفسه بأزمة تسببت في شرخ في القطاع المصرفي نظرا لتدهور ميزان التكلفة وازدياد الأعباء نتاج تغير في خارطة المصاريف، ولا يزال الاقتصاد الأمريكي يعاني مر المعاناة نتاج ما حدث، وقد تستمر الأزمة فترة ليست بالقصيرة. ولكن المواجهة استفادت منها إيران الكثير ولا تزال تستخدم أدواتها لنشر الثورة ونشر الزعزعة بامتياز. ويبقى حزب الله في لبنان الأداة الأكثر فعالية وتأثيرا، وعليه فإن الجولة القادمة «لاستخدام» الحزب عن طريق إيران مرشحة لأن تكون جولة مزعجة وشديدة التكلفة. وهذه سيرة مزعجة لا يتحمل تكلفتها أبناء المنطقة الذين ملوا من صناعة الأبطال الزائفة والتي تتحول إلى أساطير كاذبة.

[email protected]