عصر الحد الادنى من التضامن

TT

أروع ما في بيانات مؤتمرات القمم العربية تشخيصها الدقيق لعلل الجسم العربي وأمراضه... وأسوأ ما بعدها الفشل المزمن في علاجها. قمة دمشق، قياسا بسابقاتها، بلغت القمة في تشخيصها علل الجسم العربي. علما انها في النهاية علة واحدة اختصرتها في بيانها الختامي بإشارتها، في أكثر من مقطع واحد منه، إلى ضرورة: «الالتزام بتعزيز التضامن العربي» و«العمل على تجاوز الخلافات العربية ـ العربية» و«الوقوف معا في وجه الحملات والضغوط السياسية والاقتصادية» و«توحيد الموقف العربي إزاء مختلف القضايا... ». تعددت القمم والمطلوب واحد منذ قمة إنشاص الأولى عام 1946... لذلك قد يكون أفق نقاشات الجلسة المغلقة للقادة العرب في دمشق أكثر واقعية من بيانها الختامي في اقتصارها على التمني بألا تصل الخصومات العربية الى حد القطيعة وألا تنعكس على العلاقات الاقتصادية أو تتسبب بالحد من حرية تنقل المواطنين.

في هذه «الايام السيئة» ـ على حد تعبير البطريرك الماروني نصر الله صفير ـ أصبح الحفاظ على الحد الأدنى من التضامن العربي أجدى بكثير من التظاهر بطلب المزيد منه كوننا نعيش، وللأسف، عصر الحد الأدنى من وحدة الكلمة العربية بحيث يصح القول ان هذه الوحدة باتت مقتصرة على استعمال لغة واحدة. وحتى لغة التخاطب الواحدة لم تسلم من «اللحن» في هذه الأيام السيئة بدليل مطالبة بعض المعارضين اللبنانيين إخضاع النص العربي ـ الواضح ـ لمبادرة التسوية العربية إلى «امتحان» لغة نصبت نفسها الحكم فيه. لأن اللحن في قراءة المعارضة اللبنانية للمبادرة العربية غيّر معناها بالكامل، بدا لافتا أن تتمسك قمة دمشق بالمبادرة العربية، من دون أن تساهم بأي «تفسير لغوي» لها. هل يعني تجاوز إعلان دمشق «الخلاف اللغوي» حول نص المبادرة العربية ان سورية تنوي تجاوز حالة الحد الأدنى من التضامن العربي ـ التي أفرزت قمة بتراء في دمشق ـ بـ«تمرير» المبادرة العربية بشأن لبنان في إطار مطالبة القمة للامين العام لجامعة الدول العربية بالعمل على «تحسين العلاقات السورية ـ اللبنانية»... أم ان المبادرة لا تزال محكومة بتقلبات المواجهة الايرانية ـ الاميركية في المنطقة وتوق السوريين إلى إعادة هيمنتهم على لبنان، كما يوحيه تمهل الامين العام، عمرو موسى، في تحديد موعد قريب لاستئناف وساطته اللبنانية؟

بعد قمة افتقدت روحية «حذف الخلافات» ـ وفق تعريف وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل لها ـ وفي غياب أي تطور إقليمي حاسم يرجح كفة طرف لبناني على الآخر، تبدو أزمة لبنان مرشحة للمراوحة بين معطيين أساسيين:

> موقف المحور السوري ـ الإيراني الذي عبّر عنه وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بمطالبته «بالسلة المتكاملة» لتطبيق المبادرة العربية وبتشديده على ضرورة تسوية الازمة وفق شعار «لا غالب ولا مغلوب» ـ الشعار المزمن لاحتواء الأزمات اللبنانية دون حلها والذي سارع إلى تبنيه وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي (الوزير الوحيد غير العربي في قمة دمشق).

غير خاف ان موقف المحور السوري ـ الايراني يسعى لان «يحشر» التسوية اللبنانية في الإطار الضيّق للعبة التوازنات الطائفية في لبنان المرتبط، بدوره، بموازين القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، ما يعني ان مشروع التسوية في لبنان سيزداد ارتهانا بتطورات الوضع في العراق.. وما وراء حدود العراق، فيما الأزمة، ببعديها المحلي والمستقبلي، أزمة لبنانية ثقافية ـ سياسية بامتياز.

> الموقف العربي الذي عبّر عنه مندوب السعودية إلى القمة، السفير أحمد عبد العزيز القطان، في رده على تركيز وزير الخارجية السوري على قدرة السعودية على «التأثير» على قوى الأكثرية البرلمانية للخروج بحل.. بتساؤله عما إذا كان المطلوب من الرياض «أن تذهب إلى الأكثرية وتطالبها بان تنتقص من حقوقها التي كفلتها صناديق الانتخاب». لو كانت قمة دمشق جادة في الخروج بحل للازمة اللبنانية لما أعادت تأكيد مبادرة الجامعة العربية دون إضافة «توضيح لغوي» لنصوصها ودون تحديد إطار زمني لتطبيقها.. ما يسمح بتوقع عودة المعارضة اللبنانية إلى تمديد الأزمة والتلهي من جديد بتكليف الجنرال ميشال عون شرف التفاوض باسمها.