دروس من عثرة اليابان

TT

إن المعرفة المحدودة أمر خطير، بل قد تكون مضللة إلى أبعد الحدود. هذه هي النتيجة الصحيحة التي يمكن استخلاصها من أحدث البيانات التي جاءت مطمئنة بصورة مفاجئة حول الاقتصاد الأميركي، ومن مقابلة قبل أسبوعين أجرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» مع السيناتور هيلاري كلينتون، التي حذرت فيها من أن على أميركا أن تتجنب «موقفاً يشبه الموقف الياباني».

وقد كان على السيدة كلينتون أن تبحث عما حدث بالفعل في اليابان بعد الأزمة المالية، قبل أن تستخدم شبح العثرة اليابانية، لدعم اقتراحها باستخدام أموال دافعي الضرائب لكفالة أصحاب الرهون المتأزمة. وهي تعتقد أن خطأ اليابان كان الاعتماد المبالغ فيه على السياسة النقدية لإنقاذ اقتصادها، بدلا من الاعتماد على القياسات المالية والقياسات الأخرى. والحقيقة هي العكس تماما. لقد بدأ انهيار سوق الأسهم اليابانية في يناير (كانون الثاني) عام 1990، واستمر خلال ذلك العام. ثم تبع ذلك الانهيار الذي حدث في سوق العقارات. ولكن بنك اليابان لم يحاول منع هذه الكارثة المالية من تدمير الاقتصاد الحقيقي عن طريق خفض معدلات الفائدة، كما فعل ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أثناء الشهور الثلاثة الأخيرة. ولكن على العكس من ذلك، استخدم البنك المركزي الياباني السياسة النقدية كما لو كان يريد التأكد من انفجار فقاعة أسعار أصول الدولة بالفعل: واستمرت معدلات الفائدة المرتفعة حتى سبتمبر (أيلول) 1990 ولم يتم إجراء أي خفض حتى يوليو (تموز) 1991، أي بعد 17 شهرا من بدء الأزمة المالية.

وفي الواقع، لم يبدأ بنك اليابان في استخدام السياسة النقدية كأداة فعالة لكبح جماح التدهور، حتى تراجع الانكماش الاقتصادي قبل نهاية حقبة التسعينات. وفعلت اليابان شيئين؛ استخدمت زيادة كبيرة في الإنفاق العام، لاسيما على مشاريع البناء، لمحاولة إنقاذ الشركات المتعثرة ولضخ المال العام في الاقتصاد، كما إنها ساعدت البنوك على إخفاء المدى الذي وصلت إليه خسائرها، وما وصلت إليه ديونها، لكي تمنع السوق من التصفية بأسعار شديدة الانخفاض.

وأفضل ما يمكن أن يقال بشأن التجربة اليابانية هو أن هذه الأزمة المالية الكبيرة استبدلت هذا التراجع الحاد بالركود طويل الأجل الذي كان من الممكن أن يحدث. كما أن هذه الأزمة أرجأت إعادة الهيكلة الضرورية للنظام البنكي في البلاد، عن طريق تقديم سيولة مالية كبيرة لجماعات الضغط السياسي، وأرجأت كذلك الإصلاح السياسي ـ وهو الخطأ الذي ما زالت تعاني منه البلاد. ولا شك أن ظروف اليابان عام 1990 تختلف عن ظروف الولايات المتحدة اليوم. ومع ذلك، نرى بعض أوجه الشبه التي يمكن الاستفادة منها.

وحتى الوقت الحالي، وحسب الأحداث الكبيرة التي تشهدها الولايات المتحدة وأسواق الائتمان الأوروبية والسوق العقارية في الولايات المتحدة، فإنه يبدو أن البيانات الاقتصادية لا تشير إلى خطر داهم. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن شبح التراجع يلوح من قريب، ولكن البطالة لم ترتفع كثيرا ولم يتم التضييق كثيرا على شروط الائتمان بالنسبة للشركات. كما تشير البيانات العقارية هذا الأسبوع إلى قرب انفراج الأزمة العقارية وإلى أنه ربما يتباطأ معدل انخفاض الأسعار.

والدرس الحقيقي من اليابان هو: يجب الحرص من الحكم المتسرع على الأشياء. وبالطبع، يمكن أن تكون هذه البيانات معبرة عن حقيقة: أن هناك ما يكفي من عناصر الدعم في الاقتصاد، مثل زيادة الصادرات والسياسة النقدية المرنة لكبح جماح التراجع. وربما تكون الولايات المتحدة في وضع أقوى من الوضع الياباني، ولهذا فإنها لم تتأثر مثلما تأثرت اليابان.

والدرس الثاني الذي يجب أن نتعلمه من اليابان هو عدم السماح بتصفية السوق، أو على الأقل الوصول إلى نوع من التوازن، فالمخاطرة من شأنها جلب المزيد من المشاكل في المستقبل. والاختلاف الكبير بين الاقتصادين الأميركي والياباني يكمن في المرونة والشفافية والتوافق السريع مع المعطيات الجديدة. فأميركا في أفضل حالاتها هي سوق يبيع إلى سوق، ويمكن لهذه السوق أن تعالج نفسها ذاتيا، أما الاقتصاد الياباني، فإنه يعتبر اقتصادا يحتاج إلى الدعم. ولذا فإن التفكير في التدخل المباشر من قبل الفيدرالي في مشكلة الرهن العقاري يشعرني بالدهشة. ومن شأن تعميم المشكلة بهذه الطريقة (المبالغ فيها) ألا يكون أسلوبا أميركيا، والأسوأ من ذلك أنه قد يساعد على تحويل التراجع إلى ركود، كما حدث في اليابان.

* بل إموت مدير تحرير مجلة «الإكونوميست» من عام 1993 إلى 2006، ومؤلف كتاب «المنافسون» عن الصين والهند واليابان الذي سوف يصدر قريباً.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ

خاص بـ«الشرق الأوسط»