ختام أشد أسفا

TT

كل شيء له حدود إلا الفجيعة. وكل شيء يمكن تقاسمه مع الآخرين، إلا المصيبة الشخصية. وفي هذا الإطار يبدو محمد الفايد أباً مفجوعاً، سواء تملك متجر هارودس أو ملك التاج البريطاني أو القارة الهندية. ولا حساب في الحزن. فلا هو، الحزن، طقس النهار، ولا هو غلة اليوم في المتاجر.

المشكلة في حزن محمد الفايد أنه حوله إلى احتكار، مثل هارودس، أو الريتز أو قصر دوق وندسور الذي ضمه إلى مقتنياته. فقد اعتبر أنه يحق له وحده أن يحزن ولا يحق ذلك لعائلة ديانا سبنسر. والمؤسف أن صورة الحزن تغيرت قليلا عندما تحولت ديانا ودودي الفايد إلى واجهة مضاءة في متجر هارودس في المواسم والأعياد، في حين أن الحزن صامت وحميم. وأصر الفايد على أن جد أبناء الأمير تشارلز يمكن أن يأمر بقتل أمهما. وادعى على ملكة بريطانيا وزوجها والمؤسسة الحاكمة بالتآمر جميعا لاغتيال أميرة مطلقة وشاب عاشق.

في بريطانيا لا يمكن أن تتهم رجلا بسرقة خمسة جنيهات من دون أن تقاضي. لكن المؤسسة الملكية تحملت التهم بالقتل والتآمر ورشوة السواقين والبوابين لاغتيال أميرة ويلز، من دون أن تقاضي محمد الفايد بتهمة القدح والذم والتشهير. لقد عومل كأب مفجوع، لا كرجل طموح. وكان الفايد قد اشترى بعض معالم المجد البريطاني ولم يبق سوى أمرين: الجنسية، ومصاهرة العائلة المالكة.

ولما حال القدر دون الطموح الأخير رفض أن يصدق أن ثمة ما يمكن أن يقف في وجه ابن أستاذ المدرسة الذي أراد أن يملك على بريطانيا.

تذكر قصة محمد الفايد برواية روديارد كيبلنغ الشهيرة «الرجل الذي سيصبح ملكا». ظنه الهنود أنه معصوم، فلما أصيب بجرح بسيط مثل أي إنسان آخر، هجموا عليه. قدم محمد الفايد نفسه على أنه رجل معصوم، متحدر من أسرة كبرى تتاجر بالقطن، ذهب مصر وماسها. ولم يكن مضطرا إلى ذلك. فالسيدة التي كانت تحكم بريطانيا يومها، كانت ابنة بقال. والرجل الذي خلفها كان ابن مهرج في السيرك. وفي هذه البلدان التي تعطي لقب لورد لسمكري أو كهربائي سابق، بفعل ما أنجز، ليس من الضروري أبداً أن يخالف أحد الحقيقة. لذلك اعتبرت مارغريت ثاتشر أن يكذب محمد الفايد في منشئه تحديا شخصيا لها.

واعتبر القضاء البريطاني أن الرجل احتقره عندما أخفى عنه الحقيقة من أجل شراء متجر. لكن القضاء نفسه اكتفى باعتبار موت ديانا حادثا قدريا، آخذاً بشهادة 250 إنسانا وموافقة محامي الفايد نفسه.