جيل الذين يقبلون أيدي وأقدام آبائهم!

TT

أنا لا أعرف معنى أن يكون الإنسان أبا ـ فليس عندي أولاد، ولكن أعرف كيف يكون الإنسان ابنا، وكنت ابنا مطيعا محبا لوالديه، ولم يكن كذبا أن أنحني كل يوم ذهابا وإيابا أقبل يد أبي ويد أمي.. وقد حدث أن تقدمت أقبل يدي أمي فخجلت فقد كان معها عدد من صديقاتها.. ولم أخجل أن أقول لها وقد سحبت يدها من يدى: إذا لم تعطني يدك فسوف أقبل جزمتك!

كان زمان، أما الآن فالصورة مختلفة، وأذكر أنني طلبت من أحد أطفال الأسرة أن يقبل يد والدته، فسألني بمنتهى البراءة: لماذا؟ ولم أجد ما أقوله..

واندهشت جدا عندما وجدت وزيرنا د. يوسف بطرس غالي ينادي عمه د. بطرس غالي الأمين السابق للأمم المتحدة: يا بطرس! ووجدت د. بطرس يرد عليه كأنه لم يقع في خطأ، وبين لحظة وأخرى ينادي الوزير يوسف بطرس عمه د. بطرس: يا بطرس!

ذهبت إلى د. بطرس الكبير وسألته: يعني إيه؟ فقال ضاحكا: قلة أدب!

أي أنه لا يجد حرجا ولا غرابة في أن يقال له يا بطرس من ابن أخيه، لا لأنه وزير، ولكن لأن هذه عادة أوروبية!

وتداعت الحكايات بيننا كيف أن أحدا منا لم يضع ساقا على ساق في حضور والده، ولا دخن سيجارة، ولا ظل جالسا إذا أبوه وقف أو قام أو خرج، ولا دخل أحد غرفة والده من دون إذن، وتذكرت أن أمي كانت تضربني كثيرا.

فأنا لا أرى في أمي أي عيب، وأجد لها ألف عذر، وكنت أطيع أمي طاعة عمياء، ولم أكتشف إلا أخيرا جدا أن أمي التي لا تقرأ ولا تكتب، كانت لها نصائح قد بالغت فيها، وأنه من الضروري ألا أطيعها.

وكانت تقول لي وأنا طالب في الجامعة: ابتعد عن البنات وعن الذين يدخنون، إنهم سوف يشغلونك عن الدراسة، وأنت يجب أن تكون الأول.

وقد حدث في إحدى المرات أن لاحظت إحدى الزميلات، أن زرار قميصي قد سقط ففتحت حقيبتها، وركبت لي زرارا ـ فأنا زميل وأخ لها، وليس سلوكا غريبا منها، وعدت إلى البيت ليلا حتى لا تلاحظ أمي أن الزرار لونه أسود، بينما الزراير كلها بيضاء فخلعت ملابسي، ولما طلع النهار وجدت الزرار أبيض وليس أسود كما تخوفت!

فأينا أفضل ـ أنا أم يوسف بطرس غالي؟!