عزيزي البابا بنديكت السادس عشر.. اِقرأ هذه المقالة!

TT

يحكى أنه كان هناك عجوز يعيش في قرية. وفي يوم من الأيام، ذهب إلى مدينة لبيع ديك ثمين يقتنيه وشراء لوازمه. فأتى إليه رجل حاول خداعه. وسرق الديك وخبأه في كمه الكبير. وبحث العجوز عن ديكه، وأقسم الرجل أنه لا يعلم مكانه. وفجأة، رأى العجوز ذيل الديك بداخل كم الرجل وقال: «لا أعلم أيكما أصدق.. أنت أم ذيل الديك؟!».

في عام 2006، فاز مجدي علام مناصفة بجائزة «دان ديفيد» وقيمتها مليون دولار. إن قصة كريستيانو مجدي علام تشبه قصة الديك. فلقد تحول علام إلى المسيحية، وهذا أمر بسيط في حد ذاته، فآلاف المسيحيين يعتنقون الإسلام كل عام. وأحياناً ما يتحول القليل من المسلمين إلى المسيحية أيضاً. إلا أن اعتناق كريستيانو مجدي للمسيحية أمر مختلف تماماً، فلقد قام البابا بنفسه بتعميده. وكتب مجدي في موقعه الرسمي على الإنترنت: «أشعر بالامتنان على وجه الخصوص لقداسة البابا بنديكت السادس عشر، الذي قام بتعميدي فى كاتدرائية القديس بطرس الرسول أثناء الاحتفال بعيد الفصح».

وقام مجدي بإرسال خطاب إلى مدير صحيفة «كوريير ديلا سيرا»، التي يعمل بها، وقال في ختامه: «منذ مساء أمس، السبت، 22 مارس (آذار)، أصبح اسمي كريستيانو مجدي علام».

وهذا يعني أننا من الممكن أن نقسم حياة مجدي إلى جزءين: الفترة التي كان فيها مسلماً والفترة التي تحول فيها إلى المسيحية. ويتحدث مجدي عن النور والحب وقدسية الحياة والحرية التي جعلته يترك الإسلام إلى المسيحية. إلا أن هذه الكلمات تمثل جانباً واحداً من القصة. أما الجانب الآخر فيتضح في هوية مجدي الصهيونية والعلمانية قبل اعتناقه الكاثوليكية. وأعني بذلك أنه قد تحول من الصهيونية العلمانية إلى الصهيونية المسيحية.

قرأت أخيراً كتاباً لمجدي يعكس عنوانه شخصيته بشكل كاف. وعنوان الكتاب: «تحيا إسرائيل. من آيديولوجية الموت إلى ثقافة الحياة: قصتي»، وقد تم نشره في إيطاليا في مايو (أيار) 2007. ويعتقد مجدي أن الإسلام هو أيديولوجية الموت وأن إسرائيل هي رمز الحياة والحضارة. وفي خطاب له أمام اللجنة الأمريكية اليهودية في السابع من مايو (أيار) الماضي، عرض أفكاره في خمس نقاط: الحياة والحب والحقيقة والحرية وإسرائيل. واعتبر مجدي إسرائيل نقطة جوهرية في خطابه، كما تناول النقاط الأربع الأخرى في ضوء وصفه لإسرائيل.

وقال مجدي مخاطباً اللجنة: «لقد اكتشفت إسرائيل التي منحتني إيماناً بقدسية الحياة». وأنهى خطابه قائلاً: «شكراً إسرائيل. تحيا إسرائيل».

كما تحدث عن مخاوفه قائلاً: «أصدقائي الأعزاء، لا بد أن أقر بمخاوفي العميقة. إن الصراع المتوهج بين الرئيس بوش والكونغرس الأمريكي حول الموضوع المهم عن الحرب على الإرهاب هو أمر غير مقبول. ضعف الحكومة الإسرائيلية بعد حرب لبنان وانعزال البابا بنديكت السادس عشر الشجاع...».

وصفق الجمهور اليهودي لمجدي معرباً عن تقديره له. وتم منح مجدي جائزة اللجنة الأمريكية اليهودية لوسائل الإعلام (النص الكامل لخطابه منشور على موقع اللجنة).

إن هاتين الجائزتين كافيتان للتعرف على كريستيانو مجدي. وقد كتب سافيونا مان، وهو صحافي إسرائيلي، مقالاً عن لقاء أجراه مع مجدي لصحيفة «هآرتس» في 2 يوليو (تموز) 2007. وسأورد مقتطفات من الحديث: «يرى علام إسرائيل كشريك ذي خلق يفصل بين محبي الحضارة وهؤلاء ممن ينشرون آيديولوجية الموت». ويتضح من خلال الحديث أن مجدي يظهر تعلقاً بإسرائيل أكثر من معظم الإسرائيليين أنفسهم. وقال مجدي: «أعتقد أنه كان من الخطأ الفادح أن يتم السماح لمنظمة إرهابية بالمشاركة في الانتخابات»، الأمر الذي يعكس رؤيته لحماس كمنظمة إرهابية. ومجدي لا يكتفي بتوجيه الإرشادات إلى الحكومة الإسرائيلية وإدارة بوش، بل اقترح على الحكومة الإسرائيلية أن تهاجم إيران، وذلك لإيمانه إن الأمم المتحدة والولايات المتحدة ليستا في موقع مناسب.

وأضاف مجدي: «يجب على إسرائيل أن تحول دون امتلاك حكومة إيران النازية الإسلامية أسلحة نووية. فأنا لا أضع ثقتي في الأمم المتحدة ولا تساورني الشكوك حول إدارة بوش».

وركزت «هآرتس» في موضوعها على ابن مجدي الصغير الذي ولد في وقت قريب من المقابلة واختار والده «ديفيد» اسماً له. وقال مجدي أنه اختار مع زوجته هذا الاسم لأن «ديفيد» قد استطاع أن يقهر «جولياث» وهو في بطن أمه، ولأن الاسم يتماشى مع عنوان كتابه. وما أريد أن أوضحه هنا هو أن مجدي قد اعتنق المذهب الصهيوني منذ عدة سنوات، ربما 40 سنة، وذلك عندما تم القبض عليه في مصر. واعتقدت السلطات الأمنية المصرية أن مجدي كان عميلاً لجهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد». ويبرر مجدي سبب اعتقاله بأنه كان على علاقة بفتاة يهودية.

وسرعان ما تخبو هذه الموجة الإعلامية. فالإسلام لن يضعفه تحول مجدي عنه ولن تزداد المسيحية قوة بدخوله إليها. إلا أن تصرف بابا الفاتيكان كان غريباً بالفعل. فلقد قام بتعميد مجدي بنفسه. وفي الوقت الذي قام فيه الكورس بالغناء، سكب البابا الماء المقدس فوق رأس مجدي وتلا صلاة قصيرة باللغة اللاتينية: «نحن لم نعد نقف جنباً إلى جنب أو أمام بعضنا بعضاً. فالإيمان قوة وتصالح في العالم. وبذلك نتجاوز المسافات بين البشر، فقد قرب بيننا الرب». وكوننا مسلمين، فهناك بعض المسائل التي نختلف مع البابا حولها. فالبابا يدعي أنه يرغب في إزالة المسافات بين الديانات والثقافات. ولكنه اتهم ـ من قبل ـ نبينا في محاضرة ألقاها في ألمانيا عام 2006، ثم عمد صحافياً مسلماً مشهوراً أخيراً.

ولم يعتذر البابا للمسلمين في الحادثة الأولى، واكتفى بما قاله عن إساءة فهم خطابه. لقد كان من الممكن أن يتم تعميد مجدي بطريقة عادية جداً، بدون كاميرات، وخاصة كاميرات تلفزيون الفاتيكان، والذي ركز على وجه مجدي طوال طقوس التعميد.

أعتقد أن البابا يعلم أن تحول مجدي للمسيحية ليس هو لب الموضوع، ولكنها الطريقة التي تعامل بها البابا مع الأمر.

عزيزي البابا.. إن اللورد جورج كاري يعتقد أن هانز كونغ، وهو صديق عمرك، هو أعظم عالم لاهوت على وجه الأرض. وذكر كونغ، في كتابه الرائع «الإسلام: ماضي وحاضر ومستقبل»، ما يلى: «إن أي شخص يضع الإنجيل والقرآن جنباً إلى جنب ويقرأهما سيدرك أن أديان الوحي الثلاث ذات الأصل السامي، وهي اليهودية والمسيحية والإسلام، وبالأخص الإنجيل العبري والقرآن، ينبعان من أصل واحد. ألا يعد اعتراف المسيحيين بعاموس وهوشع وأرميا وإليجا الشديد العنف كأنبياء ورفضهم قبول محمد كنبي تحاملاً عقائدياً؟».

عزيزي البابا، إذا أردت أن تخلق جواً إيجابياً وروحانياً بين الإسلام والمسيحية، فلتفكر في اقتراح كونغ. ولتنس قضية كريستيانو مجدي من فضلك. وموضوع مجدي يشبه إلى حد كبير القصة التي رويتها في بداية مقالتي، فمجدي يتحدث عن الحب والحرية والنور، إلا أن ذيل الديك ظاهر في أكمامه.