نظرية ..!

TT

خارطة العالم الاقتصادية مستمرة في التطور المحموم، ولا تزال ملامحها تتبدل بصورة خارقة حتى بات الكثير من المسلمات التقليدية بحاجة لمراجعة جادة تليق بما يحدث. فنسبة النمو الاقتصادي المهول للصين وصلت لمعدلات غير مسبوقة، وعلى الجانب الآخر تبدو الأوضاع الاقتصادية بالولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة الاقتصاد الأكبر والأهم في حالة من السوء والتخبط يهددها بدخول مرحلة ركود ليست بالقصيرة، يساعدها في ذلك وجود أسوأ إدارة بالبيت الأبيض وأكثرها رداءة في التعامل مع الأزمات بكافة أشكالها، وعاشقو نظريات المؤامرة والذين لا يستطيعون ترك أي مناسبة كبرى وحدث بارز إلا وكان لهم من القول الشيء المثير. والآن هناك نظرية يجري الترويج لها في أوساط كثيرة مفادها أن هناك ضربة استباقية من قبل أباطرة الغرب المالي بزعامة إحدى الأسر النافذة والممتدة فروعها في فرنسا وبريطانيا وأمريكا، باتجاه الصين. وهذه الخطة تشمل رفع أسعار النفط والذهب إلى أسعار جنونية وتعجيزية لتحدث خللا في ميزان التكاليف لمحركات الصناعة بالصين فتؤثر وبقوة شديدة على الأرباح المحققة، وكذلك الاستمرار في تخفيض سعر الدولار الأمريكي وإنزاله بقوة إلى أسفل سافلين حتى تفقد الصين «قيمة» مخزونها الهائل من احتياطي الدولار بالعملة الصعبة والذي يتجاوز مبلغ الألف مليار دولار، وطبعا هناك اعتقاد أن هذه الضربة ستكون أشد بكثير جدا من الضربة الهائلة التي أصابت دول جنوب شرقي آسيا. وهذه النظرية تذهب للتشكيك بصورة أهم وأخطر في مدى استقلالية البنك الفيدرالي المركزي الأمريكي، ومدى خضوعه للسيطرة من قبل أهم المصارف في أمريكا مثل سيتي بنك وغيره مستفيدين في ذلك من لقاء أجراه بول فولكر وهو رئيس سابق للبنك المركزي في حقبة الرئيس الأسبق رونالد ريجان حين قال «إن البنك المركزي الأمريكي ليس مملوكا 100% من قبل الحكومة الأمريكية وذلك لوجود ملاك من القطاع المالي الخاص فيه» وهذه الجزئية تدعم نظرية المؤامرة التي تقول إن حراك أسعار الفائدة وتسعير الدولار لا يتم بسبب قرارات «حكومية» مستقلة وموضوعية وبريئة. والآن يعتقد مروجو هذه النظرية أن عناصر الضربة قد اكتملت وأن خلفية الوضع الاقتصادي المثالي المطلوب قد تمت، فها هي أسعار البورصة وأسعار العقارات وصلت لمعدلات تضخمية هائلة وبالتالي ضربة ضد الصين الآن ستكون شديدة الإيلام وذات نتائج هائلة قد تؤدي إلى تعطيل كبير في المعجزة الصينية إذا لم تقض عليها. وطبعا توجه النصائح للصين بشراء الذهب بمخزون كبير كبديل عن الدولار في حالة سقوط قيمته بالشكل المتوقع. ليست كل الحروب من الطابع العسكري الذي تتحكم فيه أسلحة وعتاد وعسكر، ولكن هناك الحروب الاقتصادية وفي معظم الأحيان دمارها أخطر بكثير. وكل نظرية مؤامرة وأنتم بخير.