ديناميت

TT

بدون مناسبة ولا مقدمات فوجئت به يقول لي: إنني أحب زوجتي.

رفعت حواجبي مندهشاً، ونظرت له نظرات كلها شك لكي أتأكد من قواه العقلية، فوجدتها نوعاً ما مقبولة، ولكي أوقفه عند حده للخوض معي في هكذا حديث مزعج، وهكذا موضوع سامج، قلت له متسائلا: وأنا إيه (اخششني) يا أخي؟! ـ أي ما دخلي في حياتك وعواطفك أنت مع زوجتك ـ ؟! إن شاء الله تحبها وتفطسّها حتى من شدة الحب، هذا ليس شأني، قلت له ذلك وأدرت له ظهري نصف دورة متصنعاً الغضب.. لم يجبني، وعندما طال سكوته أنبني ضميري قليلا، فأعدت ظهري إلى وضعه الطبيعي، وبادرته قائلا: لا تزعل ولا تتكدر، فإنني أمزح، وأنت وزوجتك لا أشبهكما إلاّ (بجوزين من الحمام الزاجل).. أعجبه اعتذاري، أو نفاقي، فقال وقد تهللت أساريره: ما شاء الله عليها، هل تصدق إنها تقوم بأعمالها المنزلية كلها وهي واقفة، تكنس، وتطبخ، وتغسل، وترتب، وتعجن وهي واقفة؟!

فسألته: حتى العجين، تعجن وهي واقفة؟! مش معقول!

ـ نعم إنها تفعل كل ذلك وهي واقفة، بل وأكثر من ذلك.

ـ مثل ماذا؟! يعني ممكن تنام وهي واقفة كالفرس مثلا؟!

ـ ممكن، بس أنا ما أسمح لها، أخاف على رجولها.

ـ ما شاء الله، هل هذا فقط هو الذي أججّ نيران المحبة في قلبك تجاهها؟!

ـ لا هناك ما هو أكثر، فمنذ عشر سنوات لا أذكر يوماً إن عدت للبيت وشاهدت وجهها متجهماً، بل إنها تقابلني بالعناق وكأنني جندي عائد لتوه من ميادين القتال، وقد وضعت ـ الله يحرسها ـ ثلاثة توائم دفعة واحدة بعملية قيصرية، وعندما واجهتها مضطرباً وهي خارجة من غرفة العمليات، نظرت بوجهي وقالت وهي تضحك: لا تهتم الموضوع عادي، واليوم كبر التوائم الثلاثة وما زالوا يدرسون، وهي تعتقد وتصر أن أبناءنا هم من أفضل أبناء الدنيا، وأجدرهم بالمستقبل الحسن.

إنها مسرفة جداً لا بالمال، بل على نفسها، فلا تترك مسألة مستعصية من دون أن تبذل المستحيل في حلها.

لا تشاكس، ولا تعتب، ولا تكثر من الأسئلة: لماذا فعلت هذا؟!، لماذا لم تفعل هذا؟!

لا تتدخل فيما لا يعنيها، ولا تتجسس، ولا تقاطعني بالكلام، ولا تفتح بريدي، ولا تقرأ رسائل (جوالي)، ولا تفتش جيوب ثوبي، وفوق ذلك كله هي مسّلية (وصاحبة نكتة)، وتعرف كيف ترقص و(تزغرط) كمان.

قلت له وقد تملكنّي (العجب والإعجاب)، العجب منه هو، والإعجاب من زوجته، إلى درجة أنني قلت: لو أن الاستنساخ ممكن في هذه الأيام لأصررت عليك أن تستنسخ من هذه الزوجة (الفظيعة) ألف نسخة وتوزعها على المحرومين من الحياة الزوجية الهانئة.

وزوجتك الرائعة هذه يجب أن تحمد ربك عليها (وتبوس يديها ظهر وقفا)، وهي تختلف نهائياً عن زوجة رجل تزوج من امرأة اسمها: (ديناميت) وقد أسماها أهلها بهذا الاسم الخطير المتفجر وذلك من شدة جمالها الصارخ ـ وهي فعلا كذلك وأقرب شبه لها هي (بريجيت باردو) عندما كانت (بالطّعش) ـ أي قبل أن تصل العشرين ربيعاً من عمرها.

ولكن (ديناميت) لعنت (أبو سنسفيله) فيما بعد وتفجرت بوجهه، ولا أنسى أنها طردته يوماً شر طردة، وأخرجته من البيت للشارع (بدون هدوم) وإنني بالمناسبة أنصح أي أم ولدت لها اليوم بنت حليوة، وهي محتارة باسمها، انصحها أن تسميها (ديناميت) فعّل وعسى.

[email protected]