الدالاي لاما.. لعبة صينية

TT

لقد كانت حجة الدالاي لاما باحتفاظ الصين بالتبت دائما ما تحمل بعض المنطق: فالصين بلد كبير وستستفيد التبت من ذلك. ولكن يبدو أن معظم الفوائد التي تعود عليها لم تكن مغرية خلال الأسابيع القليلة الماضية. والحقيقة هي أنه على الرغم من الأصوات التي تنادي باستقلال التبت، فإن الدالاي لاما حزم أمره حول مستقبل التبت ولن يتحرك. وكذلك فإن الصين قد حزمت أمرها بشأن الدالاي لاما ـ بشكل أكثر جدية ـ وقررت الاستفادة منه بذكاء.

فمنذ بداية السبعينات، لم تكن لدى الدالاي لاما رغبة في رؤية التبت مستقلة، على الرغم من أنه لم يعلن خلاف ذلك على الملأ حتى عام 1988، حيث قدم عرضا بالاستقلال الجزئي. وأيا كانت الآمال التي كان يعقدها، فإن الأمر لم ينته إلى شيء.

وقد بدأ بالمطالبة بـ«استقلال حقيقي» تدير فيه الصين وزارة الدفاع والخارجية، ولكن مع مرور السنوات، أصبح يطالب بـ«استقلال ثقافي». وفي فبراير، صرح رئيس الوزراء بأن أهل التبت يريدون الحقوق الأساسية التي ينص عليها القانون الصيني. ولكن منذ سنوات، رأت الصين أنها ليست بحاجة إلى الدالاي لاما، على الرغم من أنه رمز للمواطنين من أهل التبت، بغض النظر عن موقفه المعلن.

والأكثر أهمية، أن الصين كانت تستغل سذاجة الدالاي لاما السياسية لتحقيق مصالحها. وقد قوبلت تصريحاته برفض قبول استقلال التبت، بالتأكيد على أنه غير مخلص، وأن عليه أن يحدد موقفه بصراحة. وقد فعل ذلك مرة بعد مرة، مرددا تصريحاته لقادة العالم الذين استقبلوه. ورغم الخزي الذي صاحب ضم الصين للتبت عام 1951 وعدم مصداقية المتحدثين باسم الحكومة الصينية، فقد تحول الدالاي لاما بعد ذلك إلى متحدث رئيسي للصين ضد استقلال التبت.

وفي الوقت نفسه، فإنه يبرر مطالب الصين المتكررة له بأن يستنكر الاستقلال، بقوله إن الصين لا تفهمه.

والأمر في الحقيقة مثير للسخرية. فمع وجود عدد كبير من المسؤولين الذين يعملون في شؤون التبت في بكين، يصبح من الواضح أن كل كلمة يقولها الدالاي لاما تحتاج إلى إعراب. إنها حكومة منفى الدالاي لاما التي تنقصها الموارد والموهبة، والتي من الصعب أن تفهم الصين والسياسة الصينية.

وبذلك فإن الصين تستغل الدالاي لاما لتهميش وتصوير من ينادون بالاستقلال على أنهم إرهابيون، بغض النظر عن عدم لجوء هؤلاء للعنف أو أغلبيتهم السكانية في التبت. والصين تنتظر الآن موت الدالاي لاما الذي يبلغ من العمر 72 عاما، حيث ستختار دالاي لاما جديدا، وسوف يكون مواليا للصين ومتعلما فيها.

ومن المثير للسخرية كذلك أن التفسير الواقعي لتعامل الدالاي لاما مع أزمة التبت قريب من التوقعات التي كانت تثار منذ سنوات قليلة فقط. فقد ارتفع الاستثمار في التبت وعمل المهاجرون الصينيون على ازدهار النمو الاقتصادي هناك، ومن شأن ذلك ألا يجعل أهل التبت يفكرون في الاستقلال. ويبدو أن ذلك نتيجة طبيعية لما كان يثار في التسعينات من أن التطور الاقتصادي في الصين يعمل على اختفاء إمكانية استقلال التبت. ويقال إن الشعب الصيني قد قبل مستوى المعيشة الجيد في مقابل حق الحزب الشيوعي في الحكم الديكتاتوري.

إن المتظاهرين هذه المرة ليسوا «متهمين عاديين». إنهم رجال دين لم يكن من المتوقع أن يقوموا بذلك العمل الدنيوي. كما أن عددا كبيرا من العلمانيين انضموا إلى المظاهرات في أجزاء من مشهد التبت البائس. إن استقلال التبت لم يمت. ولم يكن في حالة موات عندما كان المال والمهاجرون الصينيون يتدفقون إلى التبت.

لم يكن من الصعب رؤية ذلك. وقد تبدو بعض الإشارات القادمة من التبت سلبية في بعض الأوقات، ولكنها لم تكن غامضة على الإطلاق. فأهل التبت على سبيل المثال رفضوا تعليق صورة بانشين لاما الذي اختارته الصين بديلا للدالاي لاما.

فما دلالة ذلك الآن؟ لا شك أنه سيكون هناك الكثير من النكوص بين صفوف رجال الدين، وسوف تكون هناك نظريات جديدة تشير إلى سرعة زوال فكرة الاستقلال ـ وسيكون كل ذلك مصاحبا لنقد السياسة الصينية الرخيصة. ولكن الوقت قد تأخر كثيرا. إن استقلال التبت أصبح ضرورة ملحة. ولا شك أن الصين لا تدرك ذلك تماما.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»