يوم الصحة العالمي .. والتغير المناخي

TT

يوم الصحة العالمي الذي يحتفل به سنوياً في 7 أبريل يوافق ذكرى انشاء منظمة الصحة العالمية، التي تأسست رسمياً في السابع من أبريل عام 1948، وهذا اليوم مناسبة لإسترعاء انتباه العالم والتوعية بموضوع يكتسب أهمية كبيرة من ناحية الصحة العالمية، ففي هذا اليوم وعلى مدار العام تنظم المنظمة مظاهرات دولية وإقليمية ومحلية من أجل إبراز مجال صحي يحظى بالإهتمام والأولوية. ويركز يوم الصحة العالمي لهذا العام على ظاهرة «التغير المناخي» التي تعد ظاهرة عالمية وتشكل مصدر قلق حقيقي وتستدعى حشد الخبرات الدولية والطاقات البشرية لمواجهة آثارها الخطيرة التي تهدد مصير البشرية.

يذكر أن العديد من الدراسات والأبحاث والتقارير العلمية العالمية وبخاصة تقارير الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة قد حذرت من التأثيرات العديدة لظاهرة التغييرات المناخية، والتي أصبحت حقيقة واقعة لا تقبل التشكيك وتهدد مصير كوكب الأرض والحياة فيه، في حالة عدم الإلتفات اليها بصورة جادة وفعالة.

ويرى العديد من العلماء أن ظاهرة التغير المناخي قد يكون لها عواقب مهلكة على صحة الإنسان، ففي دراسة حديثة أجراها باحثون استراليون في يناير (كانون الثاني) الماضي ونشرت بدورية الطب البريطانية، قالوا بأن التغيرات المناخية تمثل تهديداً جوهرياً على صحة البشر أكثر من الاقتصاد، وقال الباحث الأسترالي توني ماك مايكل Tony McMichael من مركز علم الأوبئة وصحة السكان في استراليا Australia’s Centre for Epidemiology and Population Health، أن التغير المناخي سيؤدي لتغيرات في نماذج الأمراض المعدية، وبينما نعمل على الحد من انبعاثات الغازات بسرعة أكبر لتجنب تغير مناخي، يتعين علينا مواجهة مخاطر صحية لا يمكن تجنبها ناجمة عن التغير المناخي الحالي والوشيك، ويضيف الباحث بأنه سيكون لهذا تأثيرات صحية معكوسة على كل الشعوب خاصة بالمناطق المعرضة جغرافيا للإنبعاثات والفقيرة في الموارد.

لقد أصبح هناك ضرورة لتنمية وعي وفهم الجمهور للأخطار الصحية العالمية الناجمة عن التغير المناخي واعداد برامج تكيف استباقية للحد من آثارها الصحية. ونشير هنا الى حملة «نحن» We التي أطلقها أخيراً نائب الرئيس الأميركي السابق آل غورAl Gore ـ الحائز جائزة نوبل للسلام للعام 2007 مناصفة مع هيئة التغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة ـ بهدف حشد الأميركيين لمواجهة التغييرات المناخية والتي تتكلف 300 مليون دولار وتستمر ثلاث سنوات، حيث قال آل غور إنه يمكننا حل أزمة المناخ، لكن ذلك يتطلب تحولا في الرأي العام والمشاركة، ويرأس آل غور جماعة «التحالف من أجل حماية المناخ»The Alliance for Climate Protection، والتي أطلقت حملة «نحن» وذلك من خلال سلسلة من مقاطع الفيديو في موقع www.wecansolveit.org على الإنترنت، كما تقوم الحملة بإنتاج إعلانات تلفزيونية لإذاعتها أثناء البرامج الشهيرة التي تحظى بمشاهدة عالية على شبكات القنوات التلفزيونية الأميركية.

ويجب أن نشير هنا الى أن عالمنا العربي ليس بمعزل عن التأثيرات الضارة المترتبة على ظاهرة التغير المناخي، والتي حذر منها تقرير التنمية البشرية لعام 2007 والصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تحت عنوان «مكافحة التغير المناخي: التضامن الإنساني في عالم منقسم» Fighting Climate Change: Human Solidarity in a divided world، وأكد التقريرعلى أهمية الجهود التي يجب بذلها من الآن لإصلاح المناخ العالمي.

وتجدر الإشارة هنا الى الجهود المتنامية في عالمنا العربي للتصدي لظاهرة التغير المناخي، فضمن مشاركة السعودية في الجهود العالمية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومواجهة التغير المناخي، أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ في القمة الثالثة لمنظمة أوبك في الرياض في شهر نوفمبر الماضي ـ عن مبادرة بتخصيص 300 مليون دولار تكون نواة لبرنامج يمول البحوث العملية المتصلة بالطاقة والبيئة والتغير المناخي، كما أعلنت السعودية أنها تشجع توسيع استخدام الحلول التقنية طويلة الأجل للتعامل مع ظاهرة التغير المناخي مثل تقنية فصل وتخزين ثاني أكسيد الكربون، كما أن السعودية تطالب بالتعامل معها كشريك عالمي في مواجهة هذه الظاهرة، وتوسيع التعاون معها في مجال البحوث في استخدامات البترول النظيف، وقد جاء ذلك في افتتاح أعمال الورشة الثالثة لبناء القدرات للمنتدى الريادي العالمي لفصل وتخزين ثاني أكسيد الكربون والتي أقيمت في مدينة الخبر، في يناير الماضي، كما أن هناك تحركا رسميا سعوديا بين الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة ووزارة التربية والتعليم لإدراج مادة خاصة بالبيئة ضمن المقررات الدراسية للتوعية البيئية بالتغير المناخي وأخطاره، كما أن هناك جهودا واضحة في دولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، ومنها مشروع إنشاء مدينة «مصدر» Masdar، اذ خصصت حكومة أبوظبي 22 مليار دولار لهذا المشروع، والتي ستغدو أول مدينة في العالم خالية من الإنبعاثات الكربونية والسيارات والنفايات، وسيستغرق العمل فيها 8 سنوات.

وخلاصة القول إن تأثيرات ظاهرة التغير المناخي وبخاصة على الصحة، أصبحت حقيقة لا تقبل التشكيك، وتتطلب استنفار كافة الجهود والإجراءات الفعالة والجادة من قبل الحكومات والمنظمات الدولية والمحلية للحد من آثار هذه الظاهرة، وأيضاً التعاون الجاد بين الحكومات والمنظمات الصحية لجعل الصحة المحور الأساسي لبرامج مكافحة هذه الظاهرة، مع ضرورة الربط بين التغير المناخي والصحة والمجالات الأخرى مثل البيئة والغذاء والطاقة والنفل، يصاحب ذلك ضرورة تحفيز مشاركة الجماهير في الحملة العالمية الرامية لحماية الصحة من الآثار الضارة الناتجة عن ظاهرة التغير المناخي التي أصبحت تفرض تهديداً كبيراً على صحة الإنسان.

*كاتبة وباحثة مصرية في الشؤون العلمية