درس بمليون عن «شاعر المليون»

TT

ظاهرة برنامج «شاعر المليون» لافتة وغريبة مهما اختلف الناس حوله مدحا أو قدحا، هذه الشعبية الجارفة التي قفزت بالبرنامج ليكون البرنامج رقم واحد من حيث الجماهيرية في الفضائيات العربية لم تأت بسبب أن البرنامج إغرائي جنسي يدغدغ الغرائز لتؤثر على الأنامل المتحكمة في الريموت كنترول كما يفعل عدد من البرامج الفضائية العربية الهابطة، وليس «شاعر المليون» برنامجا جماهيريا لأنه سياسي يحطم الخطوط الحمراء في عالم السياسة العربي الذي ملأته الحدود وغطته الموانع وشلته المحظورات، وليست شعبيته لأنه برنامج رياضي مثير يجذب شرائح المجتمع بأطيافها وتعدداتها، كما أنه وإن لمس للأسف جانبا مثيرا وحساسا جدا وهو النعرة القبلية والتي قفزت بشعبية البرنامج الجماهيرية إلا أن هذه الحساسية القبلية لم تكن كل شيء، بدليل أن شريحة كبيرة من الشغوفين بمتابعة البرنامج لدرجة الهوس والتسمر أمام الشاشة لا تكترث بالشأن القبلي مثل الشرائح التي لم يكن لقبيلتها تمثيل أو لا تنتمي أصلا إلى قبيلة، كل الأسرة تتحلق حول هذا البرنامج الظاهرة من الجد إلى أصغر حفيد مرورا بالشباب والمراهقين من الجنسين، والمعروض فقط قصائد.

استفتيت المرجعية الكبرى في رصد المعلومة وهو العلامة (Google) فوجدت تكرار «شاعر المليون» أكثر بكثير من البرنامج المثير للجدل «ستار أكاديمي» مع أن الثاني أكبر سنا وفيه من عناصر الإثارة ما لا يقارن بالأول، فبرنامج «شاعر المليون» إذاً يظل ناجحا جدا بالمقاييس الإعلامية المجردة التي تقوم على المنافسة الوطيسة بين الفضائيات العربية على الاستحواذ على أكبر شريحة من المشاهدين، هذا بحد ذاته فيه درس واضح للفضائيات العربية التي مارست تسطيحا للمشاهد العربي مبالغا فيه حين ركزت على الإثارة الأنثوية لذات الإثارة حتى صارت، كما قال الدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل، من أكثر الفضائيات العالمية اهتماما بجسد المرأة ومفاتنها، فحين يخرج برنامج جماهيري بدون هذه الخلطة العربية الغرائزية يصبح لافتا للأنظار ومدعاة لدراسة هذه الظاهرة وتحليلها واستخلاص الدروس منها.

النجاح الإعلامي الجماهيري لبرنامج «شاعر المليون» يحمل أيضا في كينونته أعراضا مرضية يدركها أكثر الناس، مثل إحياء النزعة القبلية المتخلفة، والتشجيع المفرط على نشر العامية على حساب الفصحى، والإغراق في الرمزية واللغة غير المباشرة والتفلسف الاستعراضي للمعلومة وهذه بالذات تحمل بين طياتها غمزة استحقار للجماهير التي لا تفهم هذا الشاعر أو ذاك، وأما الذي يشوه إبداعات هؤلاء الشعراء الشباب فهو الشعر الاستجدائي المستحلب للأموال والذي يقوم على المديح المبالغ فيه لمن يستحق ولمن لا يستحق.

لم يكن القصد هنا التقييم الأدبي لشعر وشعراء برنامج «شاعر المليون» ولا للجنة التحكيم التي أثارت جدلا، ولا في الأسلوب الماكر في الارتقاء على أكتاف القبلية لكسب ملايين الدولارات من خلال التصويت المتعصب لفتى القبيلة، الذي يهمنا هنا أن العناصر الإيجابية التي أوصلت «شاعر المليون» لهذا النجاح الجماهيري الكبير وبدون إثارة غرائزية أو سياسية ممكن أن تعزز وتتلافى السلبيات، بل يمكن أن يقود هذا النجاح إلى أفكار مطورة لبرامج إعلامية أخرى أشد تشويقا وأكثر جماهيرية وأفضل في الارتقاء بوعي جماهيرنا العربية التي ساءها هزال أغلب فضائياتها مع كثرة عددها وعدتها.

[email protected]