الألمان لا الأعداء

TT

ذهبت الفراو انجيلا ميركل إلى إسرائيل واعتذرت عن «الهولوكست». وللألمان في مستشاريهم شؤون. مرة يختارونه مبيدا مثل هتلر. ومرة معماريا عجوزا مثل اديناور. ومرة لقيطا معلنا مثل فيلي برانت. ومرة لقيطا سريا مثل هلموت شميت. ومرة سيدة لها مظهر مديرة روضة أطفال، مثل الفراو ميركل.

و«الهولوكست» مسألة بين الألمان واليهود. لا علاقة بها لأميركا ولا لروسيا، ولا خصوصا لنا نحن، الذين كنا ضحيتها الأولى. نكّل الألمان باليهود فنكّل اليهود بالعرب وأخذوا فلسطين التي أصبح اسمها الآن غزة والضفة، أو حماس وفتح. ولسعادتك أن تختار الاسم المناسب في الوقت المناسب في الاتفاق المناسب: اتفاق مكة واتفاق صنعاء وغدا يوم آخر واتفاق آخر. لا أدري لماذا تدخلت الصحافة العربية لتنتقد اعتذار الفراو ميركل عن المحرقة. يهود وألمان، فما علاقتنا بالأمر؟ لماذا لا ندع الألمان يقولون رأيهم في الفراو ميركل. لماذا لا ندع الفراو ميركل تنظر إلى الوراء وتفكر في ما سيقوله شعبها عندما تحمله مسؤولية إبادة جماعية؟ وما الذي يعرفه بعض كتابنا ولا تعرفه الفراو ميركل؟

أيها السادة، أيها المحترمون، أعيدوا قراءة التاريخ بالقليل من الهدوء. القضية الكبرى ليست ما فعله هتلر بالروس. ولا بالبولنديين ولا باليهود ولا بالفرنسيين. المسألة الكبرى هي ما فعله بالألمان. الملايين الذين قتلهم والملايين الذين شردهم والأمة التي أذلها وجعل زعماءها يركعون ويعتذرون، من فيلي برانت في بولندا إلى انجيلا ميركل في إسرائيل.

يجب أن يتذكر السادة المحترمون إن ألمانيا الغربية هي التي دفعت ثمن إقامة إسرائيل نقدا. ولا تزال. ولولا هتلر لما دفع أحد ثمن قيام إسرائيل نقدا. لا ألمانيا ولا أميركا ولا بريطانيا ولا فرنسا.

يجب إعادة القضية برمتها إلى جذورها. إلى يوم قررت دولة مثل ألمانيا أن تسير خلف ديكتاتور مثل هتلر. إلى حتفها وموتها. إلى أن تصبح برلين مدينة تستعطي الخبز الحاف من الروس الجائعين ومن الأميركيين البطرانين. عندما اعتذرت أنجيلا ميركل أمام ايهود اولمرت لم تكن تفكر في شعبها ولا في أمتها ولا في «ألمانيا فوق الجميع». كانت تفكر في نمساوي فاشل سحر إحدى أكثر أمم الأرض تطورا وجعلها تهتف له حتى الموت. وقد ماتت ألف ميتة فوق جثته.