كل الضعف وكل العظمة.. في صورة واحدة!

TT

كان الفيلسوف الألماني العظيم كانت يضع أمامه صورة مبنى قديم مهدم. المعنى: أنه يريد أن يبني ما انهدم من النظريات الفلسفية: الدين والأخلاق والجمال.

وكان الأديب النرويجي ابسن يضع صورة للأديب السويدي سترندبرج مقلوبة.. المعنى: أنه يريد أن يغبطه وأن يلعنه كلما أمسك قلما. فقد كانت الكراهية بينهما بلا حدود.

وكان أستاذنا عباس العقاد يضع أمامه صورة لإناء من العسل وقد تكاثر عليه الذباب.. والمعنى: أن المحبوبة كانت عسلا والمعجبون ذبابا. وكانت هذه الصورة بريشة الفنان الكبير صلاح طاهر.. وهي أول ما يراه العقاد عندما يصحو من نومه، وعندما يأوي إلى فراشه. لا يريد أن ينساها ليلا ونهارا!

وكنت أضع صورة لجاموسة رأيتها نائمة بالقرب من بغداد في شهر يوليه، عندما كانت الحرارة خمسين درجة مئوية في الظل.. كيف تنام بهذا العمق. وكيف أنني لا أستطيع ذلك، حتى لو وضعت أجهزة التكييف في كل مكان.

والآن وضعت صورة كبيرة للعالم الرياضي الفيزيائي ستيفن هوكنج، 66 عاما، وهو قمة من قمم الفلك وله نظريات في حجم الكون وتمدده والثقوب السوداء التي تتكون من نجوم قد ماتت وتساقطت وزادت جاذبيتها لدرجة أنها تسحب الأشعة فتبدو سوداء.. كيف تكونت، وكم عددها في الكون. وهو أستاذ في أكسفورد وكمبريدج وحاصل على مئات النياشين والميداليات وله دراسات رائعة، وأهمها شعبيا ولغير المختصين من أمثالي كتاب: «تاريخ موجز للزمن» ثم «تاريخ أكثر إيجازا للزمن».. وقد باع من هذا الكتاب ما جعله يملك تسعين مليون جنيه في ثلاث سنوات..

ولكن ليس لهذه الأسباب وضعت صورته بابتسامته الحلوة، وإنما لأن هذا الرجل قد أصيب بالشلل التام في أطرافه. ولأنه عاجز عن النطق تماما اخترعوا له جهازا إلكترونيا يحول أصواته إلى كلمات.. وهو جالس مكوما على مقعد من أربعين عاما. والمرة الوحيدة التي تركه فيها طار في الفضاء، عندما ركب إحدى سفن الفضاء وجرب انعدام الوزن 25 مرة ليعرف معنى انعدام الوزن، ماذا يرى فيه وعليه وحوله..

وفي كل مرة أراه أشعر بالخجل من شكواي من الأرق، أو من وجع في الدماغ، أو في أي مكان من جسمي.. كيف أشكو وهذا الرجل العظيم الذي حرم من كل شيء لا يزال يقول كلاما بديعا.. إنه مثل أعلى للصبر والإرادة والإصرار على أن يكون عظيما. وهو بالفعل كذلك!