بين «مزايين الإبل» و«مزايين البشر»

TT

لو كان للمرء أن يختار بين الجمال الخائبة ـ كما يصفها الروائي باولو كويلو ـ التي تسير آلاف الخطى دون أن تبدي إشارة تدل على تعبها، ثم تسقط فجأة وتنفق، وبين الجياد التي تتعب تدريجيا، وتعرف دائما طاقتها، واللحظة التي يمكن أن توصلها إلى الموت، لاختار أن يكون جوادا مهما تعالى صفير أنصار «مزايين الإبل»، ومهما قيل في نعت الرجل الكفء بـ«جمل المحامل»..

ولكن في مواجهة أعباء الحياة فإن قدر الإنسان أن يعيش كجمل «المعصرة»، معصوب العينين، يدور ويدور، وحينما تسقط العصابة عن عينيه يكتشف أنه كان يدور في دائرة ضيقة، فكروية الأرض تخدعنا دائما، ولا ندرك خداعها إلا حينما نكتشف أننا في كل مرة نعود من حيث بدأنا.. فالأرض تدور، والإنسان على متنها يدور، حتى «غاليلو» يدور أيضا..

كنت ألوك في الذهن بالأمس حكمة عتيقة: «من جد وجد، ومن زرع حصد»، لأكتشف مخاتلة تلك الحكمة، فليس كل الذين زرعوا حصدوا، ولا كل الذين جدوا وجدوا، ثمة من يحصد دون أن يزرع، وثمة من يجد دون أن يكد، وثمة من يدور دون أن يتقدم خطوة إلى الأمام.. إنها «خبط عشواء» لم تزل يا سيدي زهير بن أبي سلمى..

ومع هذا لا تيأس يا صديقي، أغمض عينيك، واسرح قليلا.. فحينما انطلقت صافرة البداية كنا جميعا نحمل أجسادا تحررت للتو من ضيق بطون أمهاتنا، وركضنا، منا من وقف على بعد ميل، أو نصف ميل، ومنا من ابتعد آلاف الأميال فلا نرى حتى نقع ركضه.. لا تحزن، مهما يكن موقعك اللحظة في مضمار السباق، فأنت مهزوم ومنتصر، إذا نظرت أمامك وجدت أن كثيرين قد سبقوك، ولو نظرت خلفك اكتشفت أنك سبقت كثيرين أيضا.. مهزوم ومنتصر أنت في آن واحد، والمسافة بين الحالتين مجرد التفاتة..

بالأمس قرأت خبرا عن مسابقة لـ«مزايين السيارات» بعد «مزايين الإبل».. لم أقرأ شيئا بعد عن «مزايين البشر» خلقا وعطاء وتميزا.. على الناس ـ في الزمن المعكوس ـ أن ينتظروا دورهم بعد الجمال والعربات، ولربما البغال أيضا.. منذ أن أعادت الحسناء «بريجيت باردو» سلم «التراتبية» بين الكائنات الحية، و«الإنسان» يقف في آخر الطابور بعد الثعابين، والأفاعي، والثعالب..

ويظل التساؤل الذي طرحته في المقدمة: هل تريد أن تكون جملا خائبا لا يعرف موعد نفاد طاقته، أم جوادا يعرف لحظة وصوله للموت؟.. انس يا صديقي أنك إنسان، «جبنا أن ألا تختار».

[email protected]