مع عفاريت المال في زوريخ

TT

مدينة زوريخ من أجمل مدن سويسرا ولكنها لم تشتهر بجمالها ولا بحسناواتها وإنما ببنوكها ودهاقنة المال فيها. شاعت تسميتهم بعفاريت زوريخ The Zurich gnomes ففي صناديقهم وأباريقهم يودع المهربون والمحتالون والمرتشون ملايينهم الحرام.

اشتهر السويسريون عبر القرون بابتداع أروع الوسائل لكسب المال لبلدهم الجبلي الفقير أساسا. عملوا في القرون الوسطى مرتزقة يحاربون لكل من يدفع. ثم أتقنوا صناعة الساعات. واليوم يسهرون على حفظ الأموال الحرام والحسابات السرية. ولكنهم في زوريخ اكتشفوا مؤخرا موردا جديدا لا يقل حراما. لاحظوا أن كل الدول تحرم الانتحار أو المساعدة على الانتحار، فأسسوا شركة تتولى هذا العمل في إطار حريات السوق التي يضمنها الدستور الفيدرالي السويسري. يتصور كثير من الناس أن الانتحار عملية سهلة وبسيطة. ولكن هذا ليس بصحيح مطلقا. لاحظ السويسريون أن الانتحار يتطلب كثيرا من الدقة التي لا تقل في شيء عن صنع ساعات لونجين أو أوميغا أو رولكس. بادروا إلى تأسيس شركة كبيرة تقدم خدماتها لكل من يصبو إلى قتل نفسه بنحو مهذب وراق. يستطيع كل راغب في ذلك أن يطرق أبواب الشركة ويخبر موظفة الاستقبال التي ترتب له كل ما يلزم.

المزعج أن الشركة أقامت محلها بجانب أكبر مبغى في زوريخ. احتجت ساكنات المبغى على وجود هذه الشركة بجانبهن. قلن إنه يقطع رزقهن. فلا يحب كبار الزبائن أن يكونوا بجانب أناس يمارسون الانتحار. قالت الغانية سوزانا: نحن لا نريد قربنا رجالا عازفين عن الحياة ويفضلون الموت على الحب. ومن ناحيتها ذكرت واحدة أخرى أنها شعرت بقرف تام عندما اقترب منها أحد الرجال في الشارع وسألها أن تدله على مكان الانتحار في المدينة.

وعلى غرار ذلك عبر أصحاب الفنادق والمطاعم والحانات عن سخطهم على وجود هذا المنتحَر (بفتح الحاء ـ وهذه كلمة جديدة أضيفها إلى لغتنا العربية الغنية بالمفردات، كمسلخ ومذبح ومقتل... الخ) في المدينة. فزبناؤه لا يحتاجون إلى فنادق ينامون فيها ولا مطاعم يأكلون أو يشربون فيها. يأتون من المطار بالتاكسي ويذهبون فورا إلى المنتحر. يسجلون اسمهم ويدفعون أجرة الموت ويموتون. لا ينفقون قرشا واحدا على الأكل أو الشرب أو الفندقة أو شراء هدية لأحد. يدخلون من باب الشركة الرئيسي ثم يخرجون بعد ساعة أو ساعتين من الباب الخلفي في صندوق خشبي صغير يحمله الحانوتي المكلف بالمهمة مع شهادة وفاة.

بيد أن بلدية زوريخ لم تجد أي ضير في وجود هذه المؤسسة في المدينة واعتبرتها بابا آخر من أبواب الرزق وكسب المال يضاف إلى بدائع الشعب السويسري في جني لقمة العيش ولو من حلق الموت.

لم تظهر حتى الآن أي دولة أخرى تنافس السويسريين في هذا البزنس. ولكن أمام العراقيين الآن فرصة للخوض في مثل هذا المشروع بعد التجارب المتواصلة التي مروا بها في صناعة الموت في السنوات الأخيرة.