جولة الترميم.. لمعالجة التصدع

TT

اذا كان صعباً بعض الشيء تسوية الوضع العربي قبل القمة العربية التي انتهت مؤتمراً، فمن الواجب بعد الذي حدث وفي ضوئه بذل جهد استثنائي من جانب الرئيس بشار الأسد للتأكيد على انه رئيس القمة لمدة سنة وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

وكخطوة أولى لا بد من جولة للرئيس بشَّار تشمل القادة الذين ارتأوا عدم المشاركة شخصياً في القمة، أي بما معناه عقد قمم ثنائية ينتقل فيها الرئيس بشار، ومع كل الحرص على الأصول، من المحطة الأولى الرياض إلى المحطة الثانية القاهرة إلى الثالثة عمان إلى الرابعة صنعاء إلى الخامسة الرباط إلى السادسة مسقط إلى السابعة المنامة إلى الثامنة بغداد. وقبل العودة إلى دمشق يحط الرئيس بشار الرحال في بيروت.

ونحن هنا لا نتحدث عن بشار الأسد الرئيس السوري، أو بالأحرى رئيس الجمهورية العربية السورية، وإنما عن بشار الأسد الذي بموجب «دستور مؤسسة القمة» بات رئيس هذه المؤسسة على مدى 12 شهراً تنتهي يوم 28 مارس (آذار) 2009، ومَن كان يحمل هذا الترؤس تقع على عاتقه مسؤولية قد لا يستسيغ القيام بها لو كان فقط رئيساً لبلده، له ان يتخذ من القرارات ما يريد وينتهج من السياسات ما يعتقد أنها تناسب مصلحة النظام، مع ملاحظة ان استضافته للقمة تحتم عليه سلفاً تهيئة أفضل الأجواء وتذليل ما أمكن من العقبات والحرص على اعتماد الأصول في توجيه الدعوات ورفع درجة التنبه في الكلام بحيث لا يتذاكى هذا المسؤول أو يتشاطر ذاك بحيث يتلفظ بما من شأنه ان يجعل الأمور الصعبة تزداد صعوبة أو ينقل المسائل الخلافية من درجة الأزمة التي تحتاج إلى حل إلى عقدة مستعصية الحل.

ومسألة «ترؤس العالم العربي» ليست مسألة شَرَفية ولا هي حالة من حالات الأمر الواقع تفرضها الاستضافة، وإنما هي، أو يجب ان تكون، «المنصب العربي الأرفع» لمدة سنة، الذي يأخذ على عاتق من يتولاه مهمة جمع الصف على كلمة سواء، ولذا فقد يكون من الأجدى لو أن رئيس القمة يترأس بعد ارفضاضها لجنة من ثلاثة مسؤولين هم الأمين العام للجامعة ووزير خارجية دولة القمة السابقة ووزير خارجية الدولة التي ستستضيف القمة اللاحقة. وهذه اللجنة قادرة على ان تثري مهمة رئيس القمة من خلال صياغات متوازنة قد يتردد هو في استنباطها لأنه يفكر كرئيس لدولة فقط.

وأهمية القمم الثنائية التي نشير إليها أنها سترمم «قمة دمشق»، وتجعل الاسم عندئذ على المسمى، إذ أن تسمية «قمة التضامن» التي أرادها الرئيس بشار للقمة كانت تجافي واقع الحال، ذلك ان التضامن كان غائباً وهنا تصبح التسمية تعني أمرا منشوداً وليس حاصلاً. والترميم ممكن، ذلك ان القادة الذين آثروا الغياب كانوا بذلك يبعثون برسالة تتناول مصلحة سورية النظام والشعب في وقت واحد. وهؤلاء بتخفيض مستوى المشاركة كانوا مع الحل الذي لا بد من الأخذ به والذي يتعلق بلبنان، ومع الخيار الذي على النظام السوري إدخال تعديلات جذرية عليه ويتصل بالعلاقة مع إيران الساعية إلى الهيمنة. وعندما يقول ضيف قمة دمشق، منوشهر متقي وزير خارجية ايران، في مؤتمر صحافي عقده في احد فنادق دمشق بعد انتهاء القمة كلاماً استفزازياً حول الجزر العربية الإماراتية الثلاث «طنب الكبرى» و«طنب الصغرى» و«أبو موسى» المحتلة من جانب إيران يتناقض مع اللهجة العربية المخففة التي أوردها «إعلان دمشق» حول هذه الجزر، فإن ذلك يسيء إلى «رئيس القمة» في الدرجة الأولى، خصوصاً ان دولة الإمارات شاركت في شخص رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي جاء وفي خاطره ان العلاقة السورية ـ الإيرانية قد تفيد في السعي لتحرير هذه الجزر. لكن ما تمناه رئيس دولة الإمارات لم يدركه ذلك ان «الإعلان» تفادى كلمة «احتلال»، مكتفياً بالمساعي الحميدة والإجراءات القانونية، وان منوشهر متقي وزير الخارجية الإيرانية الضيف الشقيق دون غيره انتقد ومِن قبل ان يجف حبر «إعلان دمشق» اللهجة العربية الدمشقية المخففة وقال: «الادعاءات بأن الجزر الثلاث هي للإمارات لا أساس لها من الصحة. الجزر إيرانية. ولقد حان الوقت لكي يبذل عمرو موسى والدول العربية جهوداً حول القضايا العربية الرئيسية خصوصاً القضية الفلسطينية ولا يشيروا إلى هذه القضايا، أي الجزر الثلاث، لعدم إعطاء ذريعة للكيان الصهيوني».

ومثل هذا الكلام المنوشهري الذي لم يراع قائله أي حال انتهت إليه العلاقة السورية ـ العربية بسبب الاقتحام الإيراني للقرار السوري، كان الرئيس بشار في غنى عنه. أما وقد قيل فإنه يدخل أيضا في سياق جولة الترميم بحيث تشمل هذه الدولة أيضا رئيس دولة الإمارات ويصرح «رئيس القمة العربية" وهو في أبو ظبي بأن الجزر الثلاث حق عربي إماراتي ومن الواجب تحريرها كما مزارع شبعا وكما الجولان.. مع ملاحظة ان احتلال الشقيق ارض شقيق أشد إيلاماً من احتلال أميركا للعراق وإسرائيل للجولان.

يبقى التساؤل: هل سيفعل ذلك الرئيس بشار، آخذاً في الاعتبار ان القادة الذين لم يشاركوه فرحة استضافة دمشق للمرة الأولى قمة عربية، حرصوا اشد الحرص على صيانة مؤسسة القمة ومن اجل ذلك أوفدوا من يمثل دولهم الأعضاء في الجامعة العربية؟

هنا يأتي الجواب: من مصلحته ان يفعل ذلك. ففي دمشق حدثت حالة تصدُّع ومن الواجب العلاج من خلال «جولة الترميم».. ومن دون تباطؤ.