محور التشدد وأزمات المنطقة: من لا يتعلم من التاريخ يخسر الجغرافيا!

TT

بعد انتهاء قمة دمشق دون الخروج بشيء، يستحق الوقوف عنده، وتأزم الملف اللبناني والعراقي والفلسطيني، يبدو أنه بات من المستحيل التنبؤ بالمسار الدقيق للأحداث في المنطقة، ولذا ليس من قبيل المبالغة القول ان هناك احتمالا لحدوث تغييرات في الأوضاع القائمة، فالمنطقة مليئة بالملفات الساخنة والملعب بات مكشوفا، مما يعني أنها مرشحة للمزيد من الأزمات، لكن ما يرسخ هذا الشعور هو استقراء الأسباب، بمعنى انه حين العودة لجذور الإشكالية نجد أن اختلال توازن القوى في المنطقة بعد الغزو الأميركي للعراق، والاختلاف الواضح في مصالح الأطراف الإقليمية على ملفات المنطقة الشائكة، وعدم القدرة في التوصل لصيغة مشتركة بينها، من العوامل الرئيسية التي تساند هذه الرؤية في بقاء المنطقة عرضة للتوتر والمخاطر والتهديد.

فهذه الأزمة اللبنانية تعيش الآن مرحلة حرجة، وقد دخلت منعطفاً خطيراً ليس بالإمكان الفرار منه، فهو بلا رئيس وبرلمان مغلق وحكومة مشلولة، فضلا عن العلاقة مع سوريا، كما أن هنالك محاولات خفية لجر إسرائيل للدخول في المعادلة وما يتردد عن حرب قادمة، فضلا عن وجود القاعدة، فالإشكالية المزمنة ان القرار السياسي اللبناني لا بد وان يغلب عليه التأثير الخارجي، وهو ما يعني نزعه من محيطه العربي وإقحامه في حرب أهلية من خلال تفجر مذهبي كما يحدث في العراق الآن، وعندما يتم تسخين الشارع بتأثير قوى خارجية، فانه بالتأكيد سيمضي باتجاه قد يساهم في تفجير الساحة، ولعل عرقلة المبادرة العربية هي الإشارة الأولى للمضي في هذا الاتجاه.

أما سوريا فيبدو انها ليست بصدد أن تتخلى عن تشدّدها وتُغيّر من سلوكها القديم وتبادر بحسن النيات وإعادة بناء الثقة وتتعامل مع لبنان كدولة مستقلة، فأجواء ما قبل القمة وبعد القمة رسخت هذا الشعور للمراقبين. ولعل رفضها لترسيم الحدود والاعتراف بلبنانية مزارع شبعا، فضلا عن تجاهلها للتمثيل الدبلوماسي مع لبنان، من الدلائل لسوء معاملة دمشق لبيروت.

ان المحور الايراسوري وفق وصف غسان الإمام، يريد جعل لبنان الورقة الثانية بعد العراق من اجل تصفية حسابات وشراء للوقت كمعادلة لم يعد يجهلها أحد، فما هي إلا عدة شهور وتأتي إدارة جديدة في البيت الأبيض، وبالتالي لم لا تلعبان في الساحة بإشعال الفتيل مما يؤجل فتح ملفاتهما، فكلاهما يتقاسمان أوراق اللعب فحماس وحزب الله أديا ما هو مطلوب منهما حتى الساعة وعلى أهبة الاستعداد لتنفيذ التعليمات الجديدة، والهدف هو بعثرة الأوراق وشراء الوقت من أجل تعطيل المحكمة الدولية وإنجاز القنبلة النووية، وهكذا تتقاطع المصالح الايراسورية ولتذهب الشعوب الى الجحيم.!

وللمزيد من رؤية المشهد بشكل شمولي، فان ثمة علامات من الدهشة تبحث عن إجابات مقنعة، فما حفلت به الشهور الماضية من تصريحات وحوارات ما بين واشنطن وطهران جعلت المتابع يشعر بالحيرة. هل هي مقايضة؟ أو هكذا ربما تبدو، تتمثل في تعاون إيراني في العراق مقابل اعتراف أميركي بالجمهورية الإيرانية الإسلامية واستبعاد الخيار العسكري أو إسقاط النظام. وفي خضم هذه الأجواء، ومجريات الحوار التحفيزي الدائر بين الغرب وإيران، يتبادر سؤال إلى الأذهان: أين الخليجيون من كل ما يحدث؟ ولماذا يهمشون ويغفل دورهم الإقليمي رغم مواقفهم المعلنة بالمطالبة بحل سلمي للملف. ولعل تصاعد الأزمة لدى إيران، يؤدي بالضرورة إلى إفرازات وشظايا تصيب دول الخليج، والتي شهدت ثلاث حروب مدمرة طوال العقدين، ما زالت تعاني من افرازاتها، وكأنها تكشف عن معادلة التاريخ والجغرافيا. وحين تأمل العلاقات الخليجية الإيرانية، يمكن القول ان ثمة تحديات مقلقة تتمثل في العراق والتسلح النووي الإيراني، والوضع قي لبنان على ان عوامل التوتر في مناخ العلاقات الإيرانية الخليجية ليست نتيجة للوضع القائم بين واشنطن وطهران، وان كان هذا واضحا، إلا ان التراكمات التاريخية ساهمت في تجذير الشكوك وعدم الثقة المتبادلة. ولعل الدور الإيراني في العراق، يكشف فعلا مخاوف الخليجيين على أكثر من صعيد، لأن الخليجيين يرغبون في أن ما يجري داخل العراق ليس على حسابهم، ولا يشكل تهديدا لأدوارهم الإقليمية. وهي هواجس مشروعة، ويتزامن هذا بتجاهل أميركي لدور دول الجوار عدا إيران فضلا في ان الإشكالية تبقى فى ان ايران دخلت العراق من الزاوية الطائفية وليست كدولة تعارض الاحتلال، ووجودها كطائفة في النسيج الطائفي العراقي، وعبر ميليشيات وأحزاب متحالفة معها. وهنا يكمن لب المشكلة!!

وطالما أن المناخ مأزوم بعدم الثقة، فان القلق دفع دول المنطقة إلى الإعلان عن نيتها في إبرام عقود تسليح مع الغرب وهو حق مشروع. وهذا يعني ضرورة إعادة النظر في مفهوم الدفاع الخليجي المشترك والبحث عن وسائل لتحقيق توازن استراتيجي في إقليم الخليج.

صفوة القول ان الارتهان إلى لغة العقل والحكمة والموضوعية في حل هذه الملفات، تقتضي تعاونا استراتيجيا مشتركا فالمنطقة هي منطقتنا، وأمنها واستقرارها هدف الجميع، من أجل حياة كريمة ومنتجة لشعوبنا وأجيالنا القادمة. فالخليجيون لا ينتظرون تطمينات إيرانية وعودة سورية للحضن العربي بقدر ما ان حاجتهم لبلورة رؤية مشتركة وموقف جاد ومسؤول معهما في إنهاء كل الملفات العالقة. ولعل الاستناد الى قاعدة المصالح المتبادلة بإمكانها ان تحقق أرضية صلبة لحل الخلافات، إذ من حق كل دولة أن تبحث عن مصالحها بشرط ان يكون في إطار وضعها الصحيح، أي دون إلحاق الضرر بدولة أخرى او تكتل آخر، وهذا يهيئ المناخ لنشوء علاقات حسن جوار تساهم في النمو والاستقرار، ومع ان النوايا الحسنة ضرورية، لكنها ليست منتجة طالما أنها لن تترجم إلى أفعال على ارض الواقع.

www: zuhair-alharthi.8m.com