الأستاذ ..

TT

لبنان ذلك البلد الصغير المدهش، لا يزال قادرا على الإدهاش وبامتياز، فلبنان الذي قدم للعالم النوابغ من أمثال طبيب القلب الفذ مايكل دبغي والفنان مايكل توماس والأديب جبران خليل جبران والإداري القدير كارلوس غصن وزميله جاك نصار والروائي الكبير أمين معلوف والأسطورة فيروز، وكل ساهم بأسلوبه وبطريقته في جعل هذا العالم مكانا أفضل. ولكن لبنان هو أيضا الذي أنجب نبيه بري، رئيس مجلس نوابه، والذي يساهم في تفاقم الوضع السياسي وزيادة الهوة ما بين الفرقاء وتعطيل أي إمكان لحل سياسي ممكن، وذلك بامتناعه عن فتح أبواب البرلمان واستخدام هذه المؤسسة الفاعلة كأداة لحل السجال السياسي عن طريق نواب الشعب المنتخبين، مهمشا الإرث الديمقراطي والمجد السياسي كله بموقف شخصي. ونبيه بري يجسد الأزمة الديمقراطية في لبنان، وعدم قدرة زعماء الجماعات المسلحة خلال الحرب الأهلية على الانتقال من عقلية وذهنية «الميليشيا» التي يحكم وينهى فيها فرد واحد لا يصد ولا يرد إلى ذهنية العمل السياسي المؤسس على الدستور واحترام رأي الأغلبية. وهذا هو التفسير المبسط لفكرة الديمقراطية التي اتفق عليها معظم دول العالم من دون استثناء. قد يبدو أن هذا التعريف بات بالنسبة «للأستاذ» أسلوبا قديما انتهت مدته وآن الأوان أن يتم استحداث شيء جديد ومغاير بديل لذلك! لبنان لم يعد شأنا لبنانيا بحتا وبات قضية عربية وإقليمية ودولية برغبة زعمائه، ولكن المشكلة اللبنانية ستتحول إلى قنبلة هائلة الانفجار تصيب شظاياها دول منطقة الشرق الأوسط، محدثة آثارا بالغة التدمير. ها هي طبول الحرب تقرع ويزداد إيقاعها عنفا مع ازدياد التصريحات والمؤشرات عن قرب انطلاق الحرب بلا هوادة ولا رحمة. موقف نبيه بري الشديد السلبية هو مساهمة واضحة ومباشرة في القضاء على لبنان كجمهورية فيها بعض ملامح الديمقراطية والمشاركة الشعبية في القرار السياسي، وهو تكريس لمبدأ الوصاية وإنهاء أشكال الهوية والاستقلال. حقيقة يبدو موقف البرلمانات العربية واتحاداتها غير مفهوم، فصمتهم إزاء تكميم وإغلاق أحد أكثر البرلمانات العربية إثارة وأهمية غير مقبول، ويستغرب عدم التعامل مع هكذا مسألة والمطالبة بإنهاء الوضع العقيم. نبيه بري قد يكون «طول» في منصب رئيس البرلمان وسط حراك وتغيير مستمر في المناصب الحساسة الأخرى بلبنان مثل: رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وقائد الجيش والوزراء والنواب، وبالتالي قد يكون جزءا أساسيا من حلحلة الموقف والوضع المتأزم في لبنان تغيير في رأس الهرم البرلماني يليق بمرحلة ما بعد الحرب الأهلية (حتى لا يتم تكريس نفس الذهنية القديمة). يبدو أن أحد عناصر الحل هو رحيل نبيه بري، الذي أصبح أحد أسباب المشكلة وتفاقمها بدلا من الحل المطلوب الذي يليق بهكذا كيان.

[email protected]