الإخوان ضيّعوا القطار

TT

برر المسؤول السياسي لجماعة الاخوان المسلمين المصرية، عصام العريان، مقاطعة الحزب الانتخابات المحلية بقوله «لا يوجد سياسي عاقل يقود تياراً كبيراً مثل الإخوان ينافس في معركة انتخابية بـ20 مرشحا من أصل 52 ألفاً احتكرهم الحزب الحاكم لنفسه بممارسات بُنيت كلها على الاعتقال والتعويق وإهدار الأحكام القضائية».

الانتخابات المحلية في مصر ليست بأهمية انتخاب رئيس الجمهورية أو الانتخابات البرلمانية التي تقع في الدائرة الرئيسية من صراع الحكم. مع هذا جاهرت السلطات الرسمية بحرمان خصومها حتى من الانتخابات المحلية، الى درجة فرضت 55 الف مرشح محسوب عليها وسمحت فقط لألفي مرشح معارض بالتنافس على اثنين وخمسين الف مقعد. باختصار هي تعيينات اكثر من كونها انتخابات. فهل الاخوان ضحية لفعل السلطة؟

نعم هم ضحية الإقصاء الصريح، سياسة ستتعب الحكومة مستقبلا، لكن الإخوان ارتكبوا خطأ استراتيجيا، ولم يعد الحزب الكبير الذي يحرك الشارع المصري بأصبعه؟

جماعة الاخوان حركة قديمة تعايشت مع النظام راضية بمغانمها، خاصة في عهد الرئيس مبارك. دخلت البرلمان كأقلية فاعلة، بلغت احيانا الثلث تقريبا. وأسست صحفا مؤثرة، ومنابر نقابية. وبنت في العلن شعبية كبيرة في الشارع المصري، مستفيدة من الملل الطبيعي عند الناس من استمرارية الحزب الحالي، ومستفيدة من الاموال الهائلة التي كانت تجمعها باسم الاسلام، وشعاراته، وصناديقه، وشركاته.

لكن قادة الاخوان أخطأوا بعدم التعامل ايجابيا مع الفسحة القصيرة التي منحت لهم، والتعامل بايجابية معها، وفشلوا في رؤية الفرصة الكبيرة التي فتحت لهم بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر في اميركا. فقد استيقظت الحكومة الاميركية صباح ذلك اليوم وقررت الانقلاب على سياستها القديمة القائمة على موالاة ودعم الانظمة السياسية الصديقة، ومعاداة خصومها المحليين، مثل الحركات الاسلامية واليسارية في المنطقة العربية. ورفعت وزارة الخارجية الاميركية يافطة فرض الديموقراطية على الانظمة العربية، وسعت لتطبيقها سرا وعلنا، مستخدمة كل الوسائل من دعم وتدخل وتنديد. كانت رؤيتها الجديدة تقول إن انتشار الارهاب هو نتيجة إقصاء الانظمة للغير، وحرمانهم من ان يعبروا عن حاجاتهم، ورفضها مشاركتهم السلطة.

ولأن الانظمة السياسية العربية أكثر ذكاء من المعارضة فقد انحنت معظمها للعاصفة ودعت الى انتخابات مختلفة الدرجات، وسمحت بالتجمع وتأسيس منظمات المجتمع المدني، وهذا يفسر هبّة الديموقراطية التي حدثت بعد عام 2001.

معارضة مهمة، مثل حركة الاخوان المصرية، هاجمت تلك السياسة، وساندت طروحات واعمال الجماعات المتطرفة، وصدقت ان التغير الديموقراطي جاء نتيجة رغبة الشعوب. وصاحب ذلك وصول حماس الى السلطة، وانقلابها على النظام الذي اوصلها الى الحكم. هنا صارت الانظمة الرسمية تردد وتقدم الادلة على ان دمقرطة المنطقة تعني ايصال المتطرفين الى الحكم، وتعني الفوضى، ولن يتحقق تداول سلمي للسلطة بأي شكل كان، وسيكون تسليمهم الحكم مثل تسلم الخميني للسلطة في ايران، نظام واحد اصولي قمعي ثلاثين سنة متواصلة. اخيرا خاف الاميركيون وتراجعوا في السنة الماضية عن مشروعهم الديموقراطي. ومن السنة الماضية عادت السلطات الرسمية الى تعطيل المجالس المنتخبة حديثا، او منع الانتخابات الجديدة، او محاصرتها، والتضييق على الاحزاب.

الاخوان، بدل ان يتلقفوا ذلك التغير الدولي المهم جدا ويرحبوا به ويتعاملوا معه بكشل حضاري، حاربوه، وبدل ان يساندوا الحركات المدنية المسالمة ساندوا الحركات المتطرفة ونشاطاتها، وقدموا الدليل المطلوب على انهم حركات فوضوية متعصبة لا تقل كثيرا عن الجماعات المسلحة الخطيرة. ولهذا لم يعترض احد على منع النقابات وحبس القيادات وتزوير الانتخابات، فالفرصة جاءت وولت.

[email protected]