أيام السادات وأسئلة حائرة

TT

خمس سنوات من الإعداد، ثلاث ساعات من العرض على الشاشة الفضية، 4 ملايين جنيه مصري في الأسبوع الأول، أوسمة فنون من الطبقة الأولى والثانية للمشاركين في الفيلم، طوابير من المصريين من مختلف الأعمار تصطف أمام دور السينما لمشاهدة الفيلم. حالة من الجدل بدأت ولن تنتهي قريباً حول الشخصية المحورية. هذه باختصار أهم ملامح الحالة المحيطة بفيلم «أيام السادات» الذي ينتشر عبر دور السينما في كل بر مصر.

نجم الفيلم يحيي حالة الجدل من جديد حول شخصية الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي قاد آخر حروب العرب التي تحقق فيها نصر أكتوبر عام 1973، واغتيل في التاريخ نفسه وسط جيشه عام 1981. ويأتي هذا الفيلم في مرحلة يمر فيها الصراع العربي الاسرائيلي ـ إذا ما كان تعبير صراع مازال صالحاً للاستخدام ـ بمرحلة حاسمة، تبدو فيها الأمور مشتعلة، بل تكاد تنذر بنذر حرب، ولكن في الوقت نفسه تعتبر معظم الأنظمة العربية ـ ان لم يكن جميعها ـ خيار الحرب مستبعدا بعدما استقر الحال على السلام كخيار استراتيجي. وهنا يكمن الصدى الذي يمكن أن يتركه فيلم «أيام السادات» هذه الأيام، حيث يعتقد المؤيدون للسادات أن هذا العمل في هذا التوقيت يأتي ليؤكد بعد نظر الرئيس الراحل الذي استطاع أن يسبق العرب جميعاً في فهم المعادلة، وبالتالي استبعد التطورات واختار زيارة القدس كبداية لطريق السلام.

في المقابل يرى المنتقدون أن السادات الذي قدمه الفيلم يختلف عن السادات الحقيقي، وأن كل ما حدث في الفيلم هو محاولة لتبرئة ساحة السادات من كل ما لصق به من اتهامات بدأت منذ تعاونه مع الألمان ضد الانجليز، ثم علاقته بالقصر، ثم غيابه المتعمد ليلة تنفيذ ثورة يوليو، كما أنه ـ أي الفيلم ـ قدمه كمخطط وحيد لحرب أكتوبر، وقدم زيارته للقدس واختياره للسلام بدون أن يقدم وجهة النظر الأخرى، وبدا الأمر وكأنه لاقى اجماعاً كان في الحقيقة غائباً في تلك الفترة.

الفيلم الذي قاربت مدته الساعات الثلاث نجح ـ في ما أظن ـ في مسألة مهمة جداً هي تقديم شخصية السادات كانسان قريب من المشاهدين، أي أنه نجح في «أنسنة السادات» إذا صح التعبير ـ فبدا شخصية مرحة يروي النكات، يجيد الكذب والحيل ليخرج من المأزق تلو المأزق بشكل يلقى قبول المشاهدين، رومانسيا يحب زوجته الثانية ويغني لها تحت سفح الهرم. باختصار فان الجانب الانساني من السادات نجح في أن يغزو قلوب المشاهدين للفيلم بحيث خرج أكثر المعادين للسادات وفي نفوسهم قدر ما من الاعجاب بهذا الجانب الانساني فيه حتى ولو لم يصرحوا بذلك، وقد نجح أحمد زكي وحده في تقمص شخصية السادات بشكل شبه مطابق، ولكن على الجانب الآخر، فإن الفيلم لم يكن موضوعياً في تقديم الأبعاد السياسية والاجتماعية السائدة تلك الفترة، وبدا الفيلم منحازاً بلا تحفظ للسادات، شخصية وسياسة، وكان نقلاً أميناً لكتابي «البحث عن الذات» للسادات نفسه، و«امرأة من مصر» لزوجته السيدة جيهان السادات. وغابت عن الفيلم محطات مهمة في تلك الفترة، وحتى تلك التي عالجها لم تكن المعالجة بشكل متكامل.

لعل أهم ما يطرحه الفيلم من جدل من بين الكثير مما يطرحه، هل أصاب السادات عندما اختار أسلوب الصدمة في زيارة القدس؟ وهل أخطأ العرب عندما رفضوا الانضمام له في تلك الفترة وأضاعوا الفرصة؟ وهل كان سيسمح لهم بالانضمام إلى مسيرة السلام لو كانوا قد قرروا ذلك؟

أسئلة كثيرة كل ما فعله «أيام السادات» أنه أثارها من جديد، ولن تكون هناك اجابة حاسمة.