مناورات إسرائيل العسكرية.. تهديد لسوريا أم تخويف لإيران؟!

TT

لأنها أكبر وأضخم مناورة عسكرية في تاريخ إسرائيل فإنها قد لا تكون لا مقدمة ولا مؤخرة لحرب جديدة قريبة قد تنشب في غضون أيامٍ أو في غضون أسابيع، فهناك مثل يقول: «إن من يكبِّر حجره لا يضرب» ثم ان خطط وأسلحة وذخائر المناورات، حسب الخبراء العسكريين، تختلف عن خطط وأسلحة وذخائر الحروب، والمعروف أن حرب يونيو (حزيران) عام 1967 التي ألحق فيها الإسرائيليون بالعرب أسوأ هزيمة منذ بداية الصراع العربي ـ الإسرائيلي كانت حرباً خاطفة ومفاجئة ولم تسبقها أي مناورات كهذه المناورات.

قبل هذه المناورات، التي قال الإسرائيليون إن هدفها هو اختبار «إصلاحاتهم» العسكرية التي أجروها في ضوء ما جرى خلال حرب يوليو (تموز) عام 2006، تم الترويج، وبخاصة عشية القمة الأخيرة وخلالها وبعدها، لإشاعات أو حكايات في هيئة معلومات تتحدث عن أن إسرائيل تحضر لهجوم عسكري خاطف سيستهدف حزب الله وسوريا وأن هذا الهجوم قد يتزامن مع عملية عسكرية جراحية أميركية ضد عدد من الأهداف الإستراتيجية الإيرانية من بينها المنشآت والمفاعلات النووية. والملاحظ أن الترويج لهذا «السيناريو» تزامن مع الحديث عن أن هناك وساطات من وراء «الكواليس» تقوم بها بعض الدول الأوروبية ومن بينها روسيا التي زار وزير خارجيتها سيرجيه بوفلوف كلاً من دمشق والقدس المحتلة عشية القمة العربية الأخيرة بهدف تنشيط وإنعاش عملية السلام على مسار الجولان.. وهذا ما واصل تأكيد الرغبة فيه وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك الذي هو صاحب قرار هذه المناورات التي تجري الآن في المناطق الإسرائيلية المحاذية للجنوب اللبناني والمطلة على خطوط وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل. وكانت سورية، حتى قبل الإعلان عن هذه المناورات الضخمة، قد حركت لواءين عسكريين في اتجاه خطوط وقف إطلاق النار، لكنها حسب ما تردد وما تناقلته وسائل الإعلام ما لبثت أن أعادت اللواءين إلى مواقع تمركزهما السابقة رغبة منها في عدم التصعيد وحرصاً على عدم إعطاء «العدو الصهيوني» مبرراً لجرها إلى مواجهة لا تريدها الآن وليس لها أي رغبة فيها في المدى المنظور.

وبالطبع، فإن حزب الله بادر حتى قبل الإعلان رسمياً عن هذه المناورات إلى اعتبار أن إطلاقها على حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان «دليل ضعف وإحباط» وليس «دليل قوة» كما واعتبرها «انتصاراً إلهياً» آخر له!!، وهو قال بإسلوب استهزائي وتهكمي إنها ليست أكثر من «استنفارٍ عسكري» خوفاً من صواريخه في إشارة إلى ما جرى خلال حرب يوليو 2006 .

لكن حزب الله ما لبث أن تراجع عن حكاية «الاستنفار العسكري» الإسرائيلي هذه، وقال إن هذه المناورات تستهدفه وتستهدف إيران وسوريا وهذا دفع الإسرائيليين، بعد أن رددت أوساط سورية وإيرانية ما قاله هذا الحزب وبعد أن أبدت دول عربية وغير عربية كثيرة خشيتها من أن تتحول تمرينات وتدريبات الجيش الإسرائيلي إلى حرب جديدة في المنطقة، إلى إطلاق رسالة قال رئيس الحكومة الإسرائيلية أيهود أولمرت فيها: «إن الأمر لا يعدو كونه مناورة لا تـُخفي شيئاً.. لا نملك خططاً سرية وأنه لا سبب لإعطاء هذه المناورة تفسيراً آخر.. إن إسرائيل لا تسعى لمواجهة عنيفة في الشمال.. السوريون يعلمون هذا وأتمنى أن يستوعبوا ذلك».

وذهب أولمرت، على هذا الصعيد، إلى أبعد من مجرد طمأنة سوريا بإعلانه استعداد حكومته للتفاوض مع دمشق: «إن إسرائيل معنية بالمفاوضات السلمية.. وان كلاً من الجانبين على اطلاعٍ بنوايا الآخر وبالتالي فإنه إن تهيأت الظروف الملائمة فإننا سنسير في هذا الاتجاه».. وكذلك فإن باراك كرر القول: «إن هذه التدريبات دفاعية وأن هدفها هو اختبار الاستعدادات لإغاثة المدنيين في حال اندلاع أي حرب وهي لا تستهدف السوريين ولا لبنان ولا حزب الله اللبناني.. ليست لدينا نية في التسبب بأي تدهور عسكري، والجانب الآخر يعرف ذلك، ونحن نعتقد أنه هو أيضاً لا يريد أن يكون مصدر تدهور». وهنا فإن ما يعزز القناعة بتدني احتمال نشوب حرب قريبة جديدة، إنْ في هذه المنطقة بين إسرائيل من جهة وحزب الله وسوريا من جهة أخرى، وإنْ في منطقة الخليج بين إيران والولايات المتحدة، هو أن جنرالاً سابقاً في القوات الخاصة الأميركية The special Forses، أصبح بعد تقاعده يعمل في إطار مجموعة من كبار الجنرالات الأميركيين المتقاعدين مكلفة من قبل الإدارة الأميركية بإعداد دراسات إستراتيجية حول الشرق الأوسط، حاضراً ومستقبلاً، قد استبعد في جلسة خاصة جداً هذين الاحتمالين وقال: «إن الشعب الأميركي لا يريد حرباً جديدة.. وأن هذا سيمنع الإدارة الحالية برئاسة الرئيس الحالي جورج بوش والإدارة الجديدة التي ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية المقبلة من القيام بأي مغامرة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط .

وقال هذا الجنرال، الذي كان يتحدث أمام عدد من العسكريين العرب، بعضهم من المتقاعدين وبعضهم الآخر لا يزال في الخدمة، إن الولايات المتحدة بعد تجربة العراق غيرت أولويات هرمها الإستراتيجي بالنسبة للمجال الخارجي، ففي الفترة السابقة كانت القضايا الدفاعية تأتي في المقدمة ثم بعد ذلك الدبلوماسية وبعدها مساعدة الدول الصديقة على الإصلاح والتطوير أما الآن فقد أصبحت الأولوية للتطوير والإصلاح ثم بعد ذلك الدبلوماسية وبعدها كخيار أخير اللجوء إلى القوة العسكرية . لكن يبدو أن إيران تحديداً لا تثق بكل هذه «التطمينات» ولا تصدقها ولذلك فإنها ماضية في الاستعداد للمواجهة، إنْ على جبهة سوريا وحزب الله وحركة «حماس» في غزة أو في العراق وفي مياه الخليج والمجالات الحيوية الإيرانية الأخرى، وذلك على اعتبار أن هذه المواجهة قد تقع في أي لحظة.. وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن الأميركيين الذين يخشون بدورهم مفاجأة إيرانية غير متوقعة أبلغوا بعض الدول الأوروبية، وبعض الدول العربية أيضاً، بأن لديهم معلومات مؤكدة وموثقة عن أن الإيرانيين استكملوا إنشاء شبكة خلايا سرية في هذه الدول من الانتحاريين الذين سيبادرون إلى مهاجمة الأهداف الأميركية في حال تعرض إيران أو حلفائها لأي هجوم أميركي أو إسرائيلي مفاجئ.

وحسب مصادر عسكرية أميركية فإن «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي بات يحتل مواقع مهمة جداً في العراق، حصل على أعداد كبيرة من جوازات السفر العراقية ـ الطبعة الألمانية، وأنه استطاع من خلال هذه الجوازات إيصال أعداد كبيرة من انتحارييه الإيرانيين إلى بعض الدول الأوروبية والعربية ليبقوا فيها كشبكات خلايا نائمة انتظاراً للحظة الصفر، وليباشروا على الفور بمهاجمة الأهداف الأميركية إذا تعرضت إيران أو سوريا، أو تعرض حزب الله، لأي هجوم أميركي أو إسرائيلي مشترك أو منفرد.

ثم وفي الاتجاه ذاته فإن مسؤولاً عراقياً كبيراً يعتبر من المقربين جداً من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كشف النقاب، في جلسة مختصرة جمعت بعض العرب المعنيين بهذه المسألة، عن أن إيران استكملت إنشاء شبكة انتحاريي «فيلق القدس» في العراق وأن هؤلاء باتوا جاهزين لضرب الأهداف الأميركية العسكرية وغير العسكرية في اللحظة التي تحددها طهران.. وقد أكد المسؤول العراقي أن الإيرانيين باتوا يسيطرون سيطرة تامة على وسط البلاد وجنوبها وأنهم استكملوا في الفترة الأخيرة عمليات تزويد خلاياهم الانتحارية «النائمة» بالأسلحة المتطورة ومن بينها الصواريخ الفعالة المضادة للدروع.

فماذا يعني هذا..؟!

إنه يعني أن زمام المبادرة بات في يد إيران، فهي بعد أن استكملت على مدى السنوات الخمس الماضية سيطرتها على أجزاء كبيرة من العراق، بخاصة الوسط والجنوب، وبعد أن أنشأت خلايا نائمة من الانتحاريين في عدد من الدول الغربية والعربية وربما في بعض دول الشرق الأقصى وأفريقيا أيضاً، باتت قادرة على افتعال مواجهة ساخنة مع الأميركيين في أي لحظة، وفي الوقت الذي تريده، والدليل على هذا هو ما جرى في الأيام الأخيرة في صنعاء وما قد يجري في عواصم أخرى، فالمنطقة تغلي وعوامل الانفجار غدت جاهزة ومتوفرة .