بداية الحل... الإفراج عن البرلمان اللبناني

TT

تكاد الأزمة اللبنانية تقول، في مرحلتها الراهنة: إني من الخارج والى الخارج أعود. وإذا كانت ثمة عبرة من مناشدة كل من رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، ورئيس الحكومة، فؤاد السنيورة، العواصم العربية مساعدة لبنان في حل أزمته السياسية فقد تكون في تأكيدها أهمية ـ ولا نقول أولوية ـ العامل الخارجي فيها. والواقع أنه لم يعد خافيا على أحد أن الأزمة اللبنانية ما كانت تطول سنة وربع السنة ـ في حال احتسابها منذ استقالة الوزراء الشيعة من حكومة فؤاد السنيورة ـ لو كانت مجرد مشكلة داخلية عابرة.

ولم يعد سرا أن ما بدأ أزمة استحقاق رئاسي ما كان يتطور الى أزمة «سلة مطالب» سياسية لو كانت خلفيتها آلية الدستور اللبناني لا نصوصه.

... ولكن هل يجوز ألا يكون واردا، حتى الساعة، أن تجد الأزمة اللبنانية حكيما، أو مجموعة حكماء في لبنان قادرين على استنباط حل لها؟

في بلد يفتقد أبناؤه الى تفاهم على الأساسيات التي يبنى عليها الوطن، وفي بلد يتقدم الولاء المذهبي لأبنائه على ولائهم الوطني (ربما لكون الولاء للوطن علماني المنطلق) وفي بلد لا يبصر دستوره النور إلا بتدخل مباشر من الخارج (والدستور، في مفهومه العام هو التعبير الرسمي عن اتفاقات وطنية لم تكن يوما ثابتة في لبنان)، يجوز التساؤل: هل يعقل ان تتخلى عشائر لبنان المذهبية عن نزاعاتها القديمة، بلا مقابل، لتدشن عصر عيش مشترك في بوتقة الوطن ـ وتخرجه عن أطر المربعات الأمنية التي تختصره اليوم... من دون أي تدخل خارجي؟

واقعيا، يصعب توقع ذلك، فأزمة لبنان الحقيقية بدأت قبل ثمانية وثمانين سنة، أي مع إعلان الجنرال هنري غورو قيام لبنان الكبير في سبتمبر(أيلول) 1920 كنطاق ضمان للأقليات المسيحية في الشرق الأوسط. بصرف النظر عما إذا كان لبنان الكبير، آنذاك، محمية مسيحية أو صدفة تاريخية، تبقي عقدته المزمنة في عدم تطابق كيانه الجغرافي مع مشاعر الانتماء الوطني للعديد من أبنائه، فظل وطنا مخضرما ومشتت الولاءات... أكان على مستوى القاعدة الشعبية أو هرم السلطة السياسية. على ضوء هذه الخلفية لم يكن مستغربا أن تنطلق الى الخارج، في وقت واحد وبتزامن لافت، «مبادرتان» لبنانيتان لتسوية الأزمة ـ إحداها ينقلها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى القاهرة ودبي والرياض والثانية يحملها رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى دمشق. مجرد طرح مبادرتين غير منسقتين سلفا، بل متباينتين من حيث أولوياتهما ووجهتهما، مؤشر كاف على أن لا تسوية حقيقية في لبنان ما لم تبدأ هذه التسوية من الداخل. إذا صحت تأكيدات رئيس البرلمان اللبناني بأن النظام السوري يدعم الحوار بين اللبنانيين، وفي ظل تأكيد الرياض والقاهرة دعمهما للمبادرة العربية، يصح التساؤل عما يمنع «حكماء» طاولة الحوار الوطني من تجاوز «الأنا» السياسية في مواقفهم واستئناف الحوار اللبناني بهدف محدد هو تنسيق المبادرتين اللبنانيتين في بوتقة القاسم المشترك الوحيد بين اللبنانيين منذ خروج القوات السورية من أراضيهم، أي المقررات التي أجمعوا عليها حول طاولة الحوار الوطني عام 2006، وتوصيات المبادرة العربية المقبولة ـ أيضا ـ من الجميع؟

في هذا السياق فقط يحق للبنانيين الحكم على «حكمة» أقطاب جيلهم السياسي الراهن، فبقدر ما يتوصل الأقطاب الى تجاوز الشكليات التي تحول دون التقائهم من جديد بقدر ما يثبتون للبنانيين أن هاجسهم الفعلي هو لبنان الوطن لا لبنان المزرعة.

ولكن، إذا جاز ترتيب أدوار هؤلاء الأقطاب وفق مسؤولياتهم الدستورية، لا يختلف اثنان على أن الدور الأول في التمهيد لاستئناف الحوار يعود إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وقد تكون هذه المناسبة فرصته التاريخية لطرح مبادرة جريئة تبدأ بفتح أبواب البرلمان المغلق منذ حوالي السنة ونصف السنة لانتخاب الرئيس التوافقي للجمهورية اللبنانية، العماد ميشال سليمان، كمنطلق أساسي «لإكمال المبادرة العربية»، كما اقترح من دمشق.