هل في العراق أمة جديدة؟

TT

ألقى الرئيس الأميركي جورج بوش خطابا في 19 مارس (آذار) الماضي، بمناسبة مرور 5 سنوات على غزو العراق، أمام الجنود والضباط ومسؤولي وزارة الدفاع وسفير الولايات المتحدة في العراق، في مبنى وزارة الدفاع. وعندما حاولت الاستماع إلى خطاب بوش حول العراق، بكيت! وشعرت بأن عيني اغرورقتا بالدموع.

يقول جورج بوش: «إن العراقيين يعيشون الآن مثلما كنا نعيش منذ 232 عاما. والآن هم يبدأون حياة جديدة كأمة جديدة، وهذا أحد الأسباب التي جئت هنا من أجلها. لقد أردت أن أخبر الشعب العراقي بأنني قد رجعت لمساعدتهم بقدر ما أستطيع».

هل هذا هو العراق الحقيقي الذي يعرفه جورج بوش؟ العراق أمة جديدة؟ كيف للرئيس الأميركي أن يحكم على العراق والعراقيين؟

لقد كان العراق واحدا من أهم المراكز في العالم، لأنه كان مهد حضارة وثقافة من أثرى الحضارات والثقافات في العالم؛ الحضارة البابلية والحضارة الإسلامية.

واليوم يعيش العراق والعراقيون حياة بائسة. فقد ترك أكثر من 2.7 مليون عراقي منازلهم إلى مناطق داخل البلاد، ولجأ نحو 2.4 مليون إلى بلاد أخرى، فذهب معظمهم إلى سورية والأردن. والملايين من العراقيين لا يشربون المياه النظيفة ولا يتلقون الرعاية الطبية. وليس هناك وظائف، ولا أمن، ولا أمل.

ما هو أصل الإرهاب والفساد في العراق؟ من المسؤول عن ذلك؟ لماذا يستمر العراق والعراقيون في المعاناة من الإرهاب والفساد بعد 5 سنوات؟ هل يعني ذلك أن العراقيين يعيشون مثلما عاش الأميركيون قبل 232 عاما؟ لقد عانى العراقيون من أبو غريب في بلادهم، وكان ذلك نتيجة الحداثة الأميركية. ما معنى الأمة الجديدة؟ هل تبني أميركا أمة جديدة؟ في بعض الأحيان يكون التبرير والحكم في منتهى السهولة. على سبيل المثال: اقتطف جورج بوش كلمة لابن لادن يقول فيها: «عندما يرى الناس حصانا قويا وآخر ضعيفا، فلا شك أنهم يراهنون على الحصان القوي». وفي رده على هذه العبارة قال بوش: «بهزيمة القاعدة في العراق، سوف نري العالم أن القاعدة هي الحصان الأضعف». إن الأمر يعتمد على جورج بوش ليقرر من هو الحصان الأقوى ومن هو الأضعف. ومع ذلك، فمن الواضح أن ابن لادن يعرف عن الأحصنة أكثر بكثير مما يعرف بوش! وأود هنا أن أقول إن الحكم على الأمم يختلف عن الحكم على الأحصنة.

وقد أصدرت مجموعة دراسة العراق التي يرأسها بيكر وهاميلتون تقريرها العبقري الذي أصرا فيه على أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعرف العراق جيدا! وأفادا بأنه لم يكن هناك غير أربعة أشخاص في السفارة الأميركية في بغداد ممن يتحدثون العربية!

ويبرز هنا سؤال مهم: ما معنى أن العراق أمة جديدة، أو أن العراق في طريقه لأن يكون أمة جديدة، مثل الولايات المتحدة قبل 232 عاما؟

عندما قرأت خطاب بوش في البنتاغون، تذكرت عمليات السلب والنهب التي كانت تحدث في المتحف القومي العراقي في الأيام الأولى من سقوط بغداد. ويطرح سؤال مهم آخر نفسه هنا: لماذا لم يكن هناك رد فعل أميركي لذلك الفعل الشنيع؟ أعتقد الآن أن ذلك كان دليلا على أن الأميركيين يريدون أن يقولوا إنهم سوف يؤسسون لدولة قائمة على المصالح الأميركية والأمن الأميركي. فهل يعتقد الأميركيون أنهم بتدمير تاريخ واقتصاد هذا البلد سوف يبنون أمة جديدة؟!

لقد نشرت الـ«هيرالد تريبيون» تقريرا خاصا حول الحرب في العراق بعنوان «بعد خمس سنوات». وقد يكون التقرير من سبع مقالات، كتبها كتاب وسياسيون مشهورون. وقد كتبت المقالة الأولى آن ماري سلوتر، عميدة كلية «وودرو ويلسون» للسياسة والشؤون الدولية في برينستون. وكانت هناك عبارة مهمة في مقالتها: «إن حكومتنا تعرف كيف تدمّر، ولكنها لا تعرف كيف تبني!». ويبرز العراق كمثال لا ينسى على ذلك.

في عام 2003، نشرت الـ«ديلي تليغراف» تقريرا جاء فيه: «إن المسؤولين في المتحف القومي العراقي ألقوا باللوم على التقارير غير الدقيقة، وسط «غيوم الحرب»، التي كانت تعطي الانطباع بأن معظم محتويات المتحف والبالغ عددها نحو 170.000 قطعة أثرية، قد نهبت بعد كارثة سقوط بغداد».

وقد قال الدكتور دوني جورج، المدير العام لمركز دراسات الأبحاث لمجلس الآثار في العراق، عن عمليات السلب والنهب: «إنها جريمة القرن.. لأنها تؤثر على ميراث البشرية».

وقد أفاد جورج بأنه بعد قيام قوات المارينز الأميركية بتأسيس مقر لها في فندق فلسطين ببغداد، ذهب هناك ليطلب من القوات حماية ما تبقى من آثار المتحف، ولكنهم لم يرسلوا أي قوات لمدة ثلاثة أيام أخرى. ولم يعرف إن كان ذلك بسبب استمرار القتال أم لا.

وما حدث في المتحف القومي العراقي كان قصة طويلة. لقد كانت الخطوة الأولى لتدمير هوية العراق كأمة وكدولة مستقلة. لقد كان العراق حاضرا دائما بتاريخه التليد، الذي استمر لمدة 4 آلاف عام قبل ظهور أميركا. وأعتقد أن هناك شخصين أسهما في تدمير تاريخ وتراث العراق، أولهما: صدام حسين، وثانيهما: جورج بوش.