مجرد عملية حسابية

TT

ألا تشعر بالحزن، الكثير منه، أن يكون معظم القادة التاريخيين في القرن العشرين، قد انتهوا كما انتهوا؟ روبرت موغابي صاحب استقلال روديسيا يخسر الحكم وقد بلغ معدل التضخم في بلاده مائة ألف في المائة؟ ألم يبدأ موغابي حياته كما بدأ كوامي نكروما من قبل، أستاذ مدرسة ومناضلا؟ ألم يكونوا جميعهم في البداية أساتذة مدارس، من نكروما إلى الجنرال جياب في الفيتنام. وبدل أن يتعلموا لغة المستعمر، تعلموا بها كيف يقهرونه.

لكن ما هذه النهايات المحزنة: نكروما وسوكارنو وموغابي ومعظم «حكماء» أفريقيا الذين طلبوا الحرية لأفريقيا وآسيا، ثم قرروا أن يتحولوا إلى مستعبِدين؟ لماذا فاز كل هذا الصف الطويل من الرجال بالحرية، ثم سقط عندما أعطيت له، من جومو كينياتا إلى هواري بومدين؟ لماذا ليس لدينا في كل أفريقيا سوى اسم واحد، نلسون مانديلا؟ ولماذا ليس لدينا في كل آسيا سوى مثال واحد: نهرو في الهند؟ لماذا أخفقت اندونيسيا منذ 50 عاما، وهي الآن للمرة الأولى في طليعة «النمور الآسيوية»؟ ماذا حدث؟ هل انتهى الفساد بعد الديكتاتور الضاحك أحمد سوهارتو، الذي وزع «التبرعات» على 500 جمعية خيرية، كانت كلها في النهاية تصب في حسابه الخاص. في بورما. في سنغافورة. في ماليزيا. في سويسرا.

أعلنت باريس قبل أسابيع أنها تحقق في 34 شقة ومنزلا يملكها عمر بانغو. فكان جواب الغابون، ألا يحق لرجل حكم 40 عاما أن يكون قد «وفر» ثمن 34 شقة في أفخم أحياء باريس؟ منذ متى كان هناك فارق بين حساب عمر بانغو وبين دخل الغابون؟ إننا نضحك من أنفسنا كثيراً عندما لا نرى أمامنا سوى روبرت موغابي كمثال على ما حل بأفريقيا والشعوب المسكينة. فكل ما في الأمر أننا نعرف ماذا حل بأهل زيمبابوي، فيما يمنع الكلام عما حلّ بأهل بلدان كثيرة. والمشكلة الحقيقية دائما واحدة، وهي أن ترتضي للشعوب حكماً مثل هذا الحكم وحالة مثل هذه الحالة وعبودية مثل هذه العبودية، بمجرد أن يقول الحاكم إنه ضد الاستعمار أو ضد أميركا. لم يخطر لأحد أن يتساءل مرة: ماذا يأخذ الديكتاتور في مقابل ذلك. ولا ما هو ثمن الحقائق المأساوية الكبرى في مقابل هذه التافهة المستهلكة والمرمية على كل الأرصفة.