أكثر من نصف المعركة في الإعلام (1 ـ 2)

TT

في رسالته للزرقاوي عام 2005، قال أيمن الظواهري: «أكثر من نصف المعركة التي تخوضها القاعدة يدور في الإعلام... في سباق على قلوب وعقول أمتنا». صدق الظواهري وهو كذوب!

فقد تحول إعلامنا، جديده وقديمه، إلى ساحة معركة مفتوحة للترويج والإقناع، وانتزاع وإضفاء المشروعية. واللافت للنظر هو أن أكثر من يبادرون لاستخدام الإعلام هم أصحاب الصوت المرتفع، والحجة الضعيفة. لم تعد المواجهة بين من يعرف ومن لا يعرف، بل بين من يجرؤ ومن لا يجرؤ!

في عالمنا العربي، لكل دولة وجماعة، وسائل إعلام خاصة بها، والأمر نفسه بدأ يصل إلى أصحاب النفوذ، كل يريد إيصال رأيه من دون الخضوع لمسطرة الإعلام، وأبسط قواعده، وهي احتواء القصة على رأيين، وتأكيد المعلومة من مصدرين.

وعدا عن الرغبة في الاستحواذ على المنبر الإعلامي، فلدينا الآيديولوجيا المفرطة التي تجتاح كثيرا من وسائل إعلامنا، ويتجلى ذلك في اختلاط الرأي بالمعلومة، ويظهر بصورة صارخة على الانترنت. ولم يعد الصدق أو الكذب عاملا في الميزان الإعلامي، فوجوه كل أزمة ما زالوا يتكررون.

خطورة ما نحن إزاءه تكمن في التكاسل، أو التقصير، من قبل أصحاب القضايا المستحقة في التعامل مع الإعلام، وتقدير طبيعته، وخطورته، متجاهلين أهمية أن يكونوا جزءا من الخبر بدلا من أن يكون الخبر كله ضدهم.

الرد على ما ينشر بنفس القصة أفضل من الرد في اليوم التالي، والوجود في نفس القصة يمنح فرصة متساوية مع المساحة الممنوحة للآخرين، ويكفل الوصول لنفس الجمهور المستهدف. هذا الأمر ينطبق على الساسة، والوزارات، وحتى الشركات، والأفراد. الرد والتفاعل أنجع بكثير من عقلية المنع وتكميم الأفواه.

أفضل مثال، المؤتمر الصحافي الإنترنتي الذي عقده الظواهري. فما قيمة المنع والمطاردة العسكرية، وكل ما فعله الظواهري هو تلقي الأسئلة عبر الانترنت، والإجابة عنها ليبث سمومه.

أقول ذلك خصوصا ونحن الآن بصدد ثورة جديدة في عالم الانترنت حيث ستدشن خدمة انترنت تفوق سرعتها ما هو متاح حاليا بعشرة آلاف مرة. وهذا انقلاب إعلامي، سيكون الراديو والتلفاز، التقليديان، أبرز ضحاياه، حيث تعزز الصحافة الورقية مكانتها، جنبا إلى جنب مع الانترنت.

وبالطبع سيكون من ضمن المتضررين محبو المنع والتقييد!

يقول ديفيد بريتون، بروفسور الفيزياء في جامعة غلاسكو، وأحد الوجوه البارزة في تطوير هذا المشروع، إن تقنيات هذه الشبكة قادرة على «تثوير» المجتمع، مضيفا «ستكون للأجيال القادمة القدرة على التعاون والتواصل بوسائل لا يستطيع أبناء الأجيال السابقة مثلي حتى أن يتخيلوها». فعبر هذه الثورة يكون لدى أي فرد القدرة على امتلاك قناة، أو إذاعة عبر الانترنت، وبوسع الشبكة إرسال حفلة موسيقية من بريطانيا إلى اليابان في خلال أقل من ثانيتين.

مؤتمر الظواهري وحده مجرد دليل على صعوبة الالتزام باتفاقيات وزراء الإعلام العرب، فكيف ستمنع وصول سموم مثل رسائل الظواهري؟ وهل الأجدى منعها أم تفنيدها.

المقصود من كل ما سبق هو ضرورة التفاعل مع الإعلام، وعدم الهروب منه بالصمت.

غدا نسمي الأشياء بأسمائها.

[email protected]