أهلاً يا سمو الأمير

TT

استطاع مذيع تلفزيوني إيطالي عرف بكثرة المزاح أن يخدع المسؤولين في نادي (ريال مدريد) الإسباني، وذلك بأن استغل الشبه بينه وبين الممثل الأمريكي (نيكولاس كيج) ليحظى بمعاملة المشاهير، من دون أن يكتشفه أحد، وعومل معاملة مميزة، وأجلسوه في المقاعد المخصصة لكبار الزوار في استاد (سانتياغو برنابيو)، وبعد انتهاء اللقاء توجه به المسؤولون إلى غرفة الملابس، والتقطوا له صورا مع رئيس النادي، الذي منحه قميص النادي، وأعطوه بطاقة عضوية شرف مدى الحياة، بل إن اللاعب البرازيلي (روبينيو) أصر على أن يتصور معه لأنه ممثله المفضل، وبعدها فضحهم في التلفزيون.

هذه الحادثة أو هذا الموقف ذكرني بموقف كنت شاهداً وشبه مشارك فيه.. طبعاً مع الفارق في الزمان والمكان والأشخاص والظروف.

فالحادث الذي ذكرته في أول هذا المقال، كان متعّمداً ومرسوماً وفيه خدعة محكمة، غير أن الحادث الذي سوف أرويه أتى تلقائياً ومفاجئاً وفيه الكثير من التسرع والاستغلال كذلك.

ففي يوم من الأيام ذهبت إلى دائرة حكومية للمراجعة في معاملة بمكتب مسؤول كبير.. وأخذت مقعدي في مجلس مرتّب للمراجعين. كان المجلس مكتظاً إلاّ من ثلاثة أو أربعة مقاعد خالية.

وفي صدر المجلس كان يجلس رجل وقور محترم أعرفه وله مكانته، وقبل أن أجلس سلمت عليه من بعيد رافعاً يدي بالتحية، فردها لي بهزة صغيرة من رأسه.

وبينما كان الصمت المطبق يسود المجلس، وإذا الباب يفتح ويدخل رجل في منتهى الأناقة (بمشلحه) المقصب، وسبحته الكهرمانية ورائحة العود والورد تفوح من ثيابه.

وإذا بي أتفاجأ بذلك الرجل المحترم الذي رد على سلامي من طرف خشمه، وإذا بخفّة واضحة تصيبه، ويهب واقفاً وفارداً يديه ويستعجل الخطى نحو ذلك الداخل، وأخذه بالأحضان وحاول جاهداً أن يقبل رأسه وكتفه، وبين الحين والآخر يقول له: أهلا يا سمو الأمير، كيف حالك يا طويل العمر؟! وأخذ يشير للكرسي المتصدر الذي كان يجلس عليه قائلا: تفضل الله يحفظك ويرعاك ويجعلك ذخرا لنا، يا هلا.. يا هلا.. يا هلا.

كل هذا كان يجري وعيناي معلقتان بذلك الشخص، لكي أتأكد مَن يكون الأمير؟! المهم أنه أخذ يخطو بكل ثقة وتؤدة ويجلس على ذلك الكرسي من دون أن يرد على سلامات وترحيب ذلك الرجل بكلمة واحدة، ولكنه عندما استوى على الكرسي رفع رأسه لذلك الرجل المحترم الذي ما زال واقفاً وقال له بكل (قلاطة): يا أخ لست أنا سمو الأمير الذي تعتقد، أنا (فلان الفلاني).. فأسقط في يد الرجل وأخذه الخجل ثم تحول ذلك الخجل إلى الغضب، خصوصاً عندما دخل المجلس عدّة أشخاص واحتلوا بقية الكراسي، ووجد نفسه وحيداً واقفاً والجميع يتفرجون عليه، فما كان منه إلاّ أن يطلب من ذلك الشخص أن يقوم من مكانه، متبعاً ذلك ببعض الكلمات الجارحة مثل: الكذاب والمخادع، رفض الشخص الآخر القيام قائلا له: إنك من شدة حماستك بالسلام عليّ لم تترك لي حتى الفرصة لكي أقول لك من أنا.. حتى (شياكتي) بهدلتها بقبلاتك وشدك، الله يقرفك، وارتفعت أصواتهما وخشيت أن يحدث بينهما ما لا تحمد عقباه.. والحمد لله أن مدير مكتب المسؤول الكبير دخل علينا مهرولا بعد سماعه تعالي الأصوات، وبيده أوراق وأرقام معاملات المراجعين، فوقف الجميع ليأخذ كل واحد منهم معاملته.. والوحيد الذي شاهدته يمسح عرقه ويجر خطاه نحو أحد المقاعد ويجلس لاهثاً من شدة الخجل والغضب هو ذلك الرجل المحترم، حيث أنه معروف، والدلالة على ذلك أن بعض الحاضرين، بعثوا بهذه الحادثة وملابساتها كرسالة مصورة في (موبايلاتهم) لمن يعرفونهم.

[email protected]