«ماما أفريكا».. وإشكاليات التحول الديمقراطي

TT

عندما يكون النظام الحاكم جادا في قبول اللعبة الديمقراطية، ُيسهل على شعبه وخصومه السياسيين عملية التغيير والانتقال السلمي، وهو ما حصل في غانا والسنغال. وفي مقابل تلك المرونة التي شهدناها في البلدين المذكورين نلحظ أن بداية التحول الديمقراطي تتعثر وتواجه عنادا قويا من لدن الأنظمة الحاكمة التي ترفض القبول بنتائج صناديق الاقتراع. والسؤال هنا هو: لماذا نجح التحول الديمقراطي في بعض أدغال أفريقيا، وفي دول أخرى يلقى العراقيل التي تجعل من سيناريو الاحتكام الى العنف سيد الموقف؟

بعد أن حققت كل من السنغال وغانا بداية تحول نوعي ديمقراطي، وتابعنا إطلالة كينيا على شبه بداية مماثلة أحبطها العنف، ها هي زيمبابوي تنضم إلى القائمة بما يشي أن جغرافية رياح الديمقراطية بدأت تتوسع وتكتسح دولا أفريقية جديدة، رغم أن التركيبة الاجتماعية لتلك المجتمعات قبلية وتقوم على العصبية. ولعل تأمل البدايات الناضجة للتحول الديمقراطي، خصوصا غانا والسنغال وحاليا زيمبابوي، ينتهي بنا الى الإقرار الواثق بأن العالم بصدد التحول وأن رياح الديمقراطية ـ وإن تأخر هبوبها أو تعثر ـ فإنها آتية لا محالة وذلك لأنها قد أصبحت قانونا ثقافيا وسياسيا من المفروض أن ينسحب على كل دول العالم. وتلك الدول التي تماطل هي ـ في الحقيقة ـ تقوم بتأخير إصلاح لا بد منه وإضاعة الوقت.

وإذا ما أردنا التوقف عند المثال الزيمبابوي تحديدا، فإن ما يحصل في هذا البلد الذي يتجاوز تعداده السكاني عشرة ملايين والواقع في القسم الجنوبي الشرقي من وسط القارة الأفريقية، يؤكد أن شعبه حي ونابض ويستحق حياة أفضل، باعتبار أن المعارضة القوية والصلبة التي يجسدها مورغان تسفانجيراني زعيم حركة التغيير الديمقراطي هي من نتاج المجتمع الزيمبابوي، بالإضافة إلى أن نسبة مهمة من هذا المجتمع قد التف حولها، كما هو واضح، حتى ولو تأخر إعلان نتائج الانتخابات وطلب الرئيس الحالي روبرت موغابي إعادة فرز الأصوات. بل إنه يمكن إبداء ملاحظة أولية تتعلق بمحاولات المعارضة في زيمبابوي اللجوء الى القضاء، وهو ما يعني أن تكرار سيناريو ما حدث في ديسمبر 2006 على إثر تأخر اعلان نتائج الانتخابات من اندلاع أحداث عنف خلفت أكثر من ألف قتيل، فرضية يظهر أنها في حالة زيمبابوي ضعيفة البراهين. ومثل هذه الملاحظة تعكس نضج المعارضة في زيمبابوي التي تركز في خطابها الموجه إلى النظام الحاكم على الحوار وضرورة تأمين انتقال سلمي ومنظم وديمقراطي.

وفي خصوص المضايقات التي أشارت إليها المعارضة والمتمثلة في تضييق الحزب الحاكم الخناق عليها، من خلال منع الشرطة المسلحة محامي المعارضة من دخول المحكمة العليا أو تأخير الاعلان عن النتائج بما يخالف المدة المحددة دستوريا، بالإضافة إلى ادعاء المعارضة امتلاك مستندات تفيد بوجود مليون صوت مزور في شمال ووسط زيمبابوي، فإن حركة التغيير الديمقراطي المعارضة لم تفقد صبرها وقاطعت الى حد الآن آلية العنف لصالح التمسك بحل اللجوء الى القضاء. إن دخول زيمبابوي في حالة جادة من الحراك السياسي، يعني أن اتهامات مثل التزوير والمضايقات هي لصيقة المخاض الديمقراطي العسير وصعوبة التغيير بالنسبة الى نظام تجاوز ربع قرن من الحكم وعدم قدرة الرئيس الحالي روبرت موغابي بطل الاستقلال (موغابي كان زعيم جبهة تحرير زيمبابوي بالاشتراك مع جوشوا نكومو، وناضلا ضد سياسة إيان سميث العنصرية حتى استقر الحكم بيد الأغلبية السوداء)، على استيعاب ضرورة التنحي والاعتراف بأن مشروعية نظامه السياسية قد أصابتها التهرئة، ويصعب تجديدها بعد إخفاقات متتالية.

كما أن الخطاب الذي استند إليه موغابي في الانتخابات تغذى من أطروحة المؤامرة الغربية ضده منذ انتخابات 2002 وتفاقم التوتر مع توقيع قانون جديد يقضي بإرغام جميع المؤسسات المملوكة من أجانب أو بيض في بلاده بتسليم 51 بالمائة من أسهمها أو حصصها الى السود، ولا ننسى أنه في بداية حكم موغابي وأثناء تزعمه ائتلافا حزبيا، اتخذ قرارا ينص على التخلص من المزارعين البيض وإعطاء المزارع لأفريقيين.

من جهة أخرى نجد أن زعيم المعارضة توخى خطابا يصب في كيفية إشباع توقعات الشعب الزيمبابوي الذي تجتاح البطالة أكثر من ثلاثة أرباعه، بالإضافة إلى التضخم والأزمة الاقتصادية الحادة. واعتمدت المعارضة خطابا بديلا وعمليا وواقعيا يلامس اهتمامات المواطن الاقتصادية، مع رفع رهان إعادة بناء الاقتصاد المدمر.

إن أداء المعارضة في زيمبابوي ومن قبلها غانا والسنغال، يؤكد أن الديمقراطية تهب رياحها عندما توجد معارضة صلبة العود وإن كان سيناريو الفشل غير مستبعد بالمرة في زيمبابوي.

وأغلب الظن أن المكسب الأهم في نموذج زيمبابوي هو الحراك السياسي في حد ذاته لأن كل إرادة ديمقراطية جادة ستنتهي وإن طالت المدة وتفاقمت العراقيل الى بلوغ أهدافها.

[email protected]