مقتدى الصدر ودماء الأبرياء

TT

في العام 2005 زار مقتدى الصدر الكويت وسألته في ملتقى عام ثلاثة أسئلة: لماذا تخوضون الانتخابات في قائمة من طائفة واحدة وتقولون إن أمريكا تريد تفرقتهم على أساس شيعي وسني؟ ولماذا يتهم جيش المهدي (لم أقل أنت شخصيا احتراما للمضيف) ـ بأول جريمة قتل سياسية في العراق بعد سقوط صدام بحق السيد الخوئي في داخل المزار الشريف بالنجف؟ ولماذا لا تحلون جيش المهدي وميليشيا منظمة بدر وقد أصبحت السلطة والجيش والشرطة بأيديكم؟

طبعا لا أتذكر من إجابته على تلك الأسئلة سوى بداياتها: «إسمع حبيبي!!». باقي الإجابة كان خليطا من عبارات التوتر التي هاجم خلالها خصومه وطواحين الهواء ـ وطبعا أمريكا المحتلة.

دارت السنون، ودخل التيار الصدري الانتخابات في العراق، وشارك التيار في الحكومة، ثم خرج من الحكومة، ما بين هذه الفترة وتلك ارتكبت فظائع وجرائم من قبل ميليشيا جيش المهدي وبعضها من قبل قوات وزارة الداخلية التي رأسها بيان جبر صولاغ آنئذ، وزير المالية حاليا. المذابح استهدفت السنة بالدرجة الأولى، لكنها لم تستثن القوى الشيعية التي نافست جيش المهدي في مناطق نفوذها، أو من كان بعثيا حتى وإن كان شيعيا. وتسببت تلك المذابح في نزوح داخلي متبادل لملايين العراقيين من أبناء الطوائف المختلفة.

وللأمانة فإن كثيرا من الجرائم ارتكبت باسم جيش المهدي وهو منها براء، ولكن الحالة الفوضوية التي خلقها المقنعون الذين جابوا شرق بغداد والناصرية والبصرة ومناطق الجنوب عموما، هي التي خلطت الحابل بالنابل، حتى وإن أعلن الصدر نفسه بأنه بريء منها وبأن جرائم ترتكب باسم جيشه الذي يقول عنه دوما أنه موجه للاحتلال لا غير.

بعد خروج التيار الصدري من الحكومة، راحت شعاراته بين مقاومة الاحتلال، والتصدي للفدرالية، وحماية الشيعة، ثم إعلان وقف «إطلاق النار!!»، وهو قرار أغرب ممن اتخذه: فإن كان الجيش يقاوم الاحتلال، فإن الاحتلال باق لم يرحل، وإن كان الجيش يقاوم حكومة غير معترف بها، فإن الحكومة لا تزال تحكم المنطقة الخضراء. وقد تخلل كل هذه المرحلة مراحل من اختفاء السيد الصدر ـ في إيران مرة، وفي المجهول مرات أخرى ـ إلى أن جاء القرار الأغرب من قبل السيد مقتدى الصدر بأنه راحل إلى قم للاعتزال والدراسة من أجل الترقي في الهرم الفقهي الشيعي. فجاء قرار حكومة المالكي بنزع سلاح جيش المهدي مستغلا ـ ربما الحالة النفسية التي عاشها جيش المهدي بعد رحيل زعيمه وقراره بالذهاب إلى المنفى الطوعي «للدراسة» في قم.

القتال بين الحكومة العراقية وجيش المهدي اشتد جنوبا في البصرة، وتواصل شمالا في بغداد، واستمر حتى الآن بين كر وفر، وتراخت الحالة القتالية لكلا الجيشين، وأطلق رئيس الوزراء المالكي إنذارا بتسليم السلاح خلال مهلة محددة، مددها عدة مرات.

ولولا التدخل والإسناد من قبل الجيش الأمريكي لآلت الأمور إلى مزيد من الفوضى بسبب عدم جاهزية الجيش العراقي للاقتتال الداخلي «بعد».

حالة المواجهة بين جيش المهدي تجسد صراع المصالح بين الفئات التي تريد بقاء الأوضاع على ما عليه، فلا هي تريد حكومة قوية تقضي عليها وعلى مصالحها، ولا هي تريد حكومة ضعيفة لا تتحكم بها، والحال ينسحب على منظمة بدر التي هي الأخرى ميليشيا مسلحة أيضا وإن غيرت اسمها من فيلق بدر إلى منظمة بدر!!

السؤال الذي طرحته على السيد الصدر وجهته للسيد عمار الحكيم: لماذا لا تحلون منظمة بدر إن كنتم تؤمنون بالدولة وتسيطرون ـ أنتم لا غيركم ـ على مفاصل جيش الدولة وشرطتها؟

لا زلت أنتظر الإجابة.