أكثر من نصف المعركة في الإعلام (2 ـ 2)

TT

في كتاب «حقيقة تقال» يذكر ليني. جي. ديفيز المتحدث الرسمي لبيل كلينتون خلال فترة فضيحة مونيكا، أنه بعد تكليفه بالمهمة سئم الانتظار بدون معرفة طبيعة عمله. وعندما أتيحت له فرصة الاستفسار من كلينتون نفسه، قال له الرئيس السابق في إجابة مقتضبة ومباشرة: «عندما تحل اللعنة.. تحدث!».

ومع كل ما يدور حولنا اليوم من أزمات، من غلاء المعيشة، والتطرف، والتخوين، وتسريبات المعلومات المغلوطة، والطاعنة بحق الدول المعتدلة، واستهداف الأشخاص بكل مستوياتهم، عبر الانترنت والتلفاز، والصحافة يبقى السؤال: أين المتحدث الرسمي اليوم في عالمنا العربي؟ وأين المسؤولون من المواجهة والتواصل مع الإعلام؟

هل تسعفكم الذاكرة بتذكر مسؤول عربي خرج في حوار مفتوح في برنامج تلفزيوني يجيب عن الأسئلة الآنية، على غرار برامج الحوار الأميركية كل يوم أحد؟ ومن هم المتاحون للحوارات الصحافية؟ ومن الذي يتصدى للرد على تسميم الرأي العام العربي يوميا؟

كم من المسؤولين العرب، أو المتحدثين الرسميين، المتاحين للرد على وسائل الإعلام؟ تأملوا أزمة ارتفاع الأسعار التي تضرب قرابة ثلاث وثلاثين دولة حول العالم، وبدأت منذ عام 2001، لكن حرائقها تندلع في عالمنا العربي المأزوم!

من خرج للرد، والتفنيد، للرأي العام عن أسباب الأزمة، وخلفياتها، وعن سوابقها التاريخية؟ ومن الذي حاول تزويد الإعلام بالمعلومات، لا الفرمانات، ومناقشة سلوك المستهلك؟ سيل من المعلومات والأكاذيب، في عالمنا العربي يقابله صمت، أو محاولة لسد الشمس بغربال كما يقال، بدلا من الرد والتفنيد، ومقارعة المعلومة بمعلومة، والحجة بحجة.

سياسيا، لدينا مثال لا يمكن تجاهله وهو إيران حيث تمتلئ وسائل الإعلام بتسريباتها وتصريحاتها في كل مكان، فمن النادر وجود خبر عن إيران من دون وجود وجهة نظر طهران في ثناياه، أيا كانت حساسية الخبر.

أما الجانب الإيجابي فلدينا تجارب تستحق تسليط الضوء عليها، من السعودية ومصر. في السعودية تجربة المتحدث الرسمي في وزارة الداخلية السعودية. فمنذ اعتماد المتحدث الرسمي في الداخلية السعودية بات التعامل، والتواصل مع الوزارة أكثر مرونة، وحرفية، وسرعة. ولا أبالغ إن قلت بأن لا توتر على الإطلاق بين الإعلام السعودي خصوصا، والأمن السعودي. على الرغم من حساسية ملف الإرهاب، والقضايا الأمنية.

في مصر، هناك تجربة المتحدث الرسمي باسم القصر الرئاسي، حيث من السهولة التواصل معه، والحصول على معلومات، ومعرفة الموقف المصري حيال القضايا.

الإعلام اليوم طوفان لا يرحم، اختلفت آلياته، ومن لا يتعامل معه وفق تلك الآليات الجديدة، والتناغم مع تفاصيله من مواقيت النشرات، وساعات الذروة، ومواعيد طباعة الصحف، وما يجعل الخبر يصل إلى أكبر شريحة، فسيجد نفسه في موقف المدافع، محاطا بتضليل يثير الرأي العام، ويفتح شهية المنظمات الدولية.

المتحدث الرسمي ليس كل شيء، وكذلك المؤتمرات. الأهم هو التواصل مع الإعلام لضمان وصول المعلومة الصحيحة في أسرع وقت.

في عالم يحركه الإعلام فإن خير نصيحة هي الحرص على أن تكون دائما متاحا لوسائل الإعلام!

[email protected]