الحزب هو الشخص

TT

أحيانا تبدو تفاصيل الحملة الانتخابية الأميركية، مضحكة. أحيانا عبثية. أحيانا لا معنى لها ولا ضرورة. برامج مكتوبة بفصاحة يمكن لأي كان أن يصوغها، كما قال باراك أوباما لمنافسته الشهيرة: برنامجك من عشر نقاط وبرنامجي من عشر ولا تختلف بنودهما في شيء. لكن المهم هو من يستطيع ان يجمع الناس حوله لكي يطبقها.

لا أحد. برامج المرشحين الأميركيين مثل بيانات الثقة التي تطرحها الحكومات أمام البرلمان: كلام جميل واستحالات كثيرة. في النهاية، المهم هو الرجل، أو الشخص، لا الكلام. كل حكم يشبه صاحبه. جورج بوش الابن لا يشبه جورج بوش الأب في شيء. كلاهما جمهوريان من عائلة واحدة ومن مرحلة واحدة. لكن لا شبه ولا ابن سر أبيه. لا أحد سر أحد. الفارق في الطباع والتكوين بين هيلاري وبيل كلنتون، كالفارق بين قرية في جنوب الصين وقرية في الجنوب الأميركي. الذي اعاد للولايات المتحدة ازدهارها طوال ولايتين كان بيل كلنتون لا الحزب الديموقراطي. الذي حاول تغيير معالم أميركا الأخلاقية وأخفق كان جيمي كارتر، لا الحزب الديموقراطي. الجمهوريون والديموقراطيون خرافة اسمية تستدعى عند الحاجة بأفيالها وحميرها. وبعدها فورا يحل الشخص مكان الحزب ومكان الأمة. ايزنهاور وكينيدي ونيكسون وجونسون ارتكبوا في الفيتنام وجنوب شرقي آسيا نفس الأخطاء. الفارق الوحيد كان في أحجامها.

أميركا هي الرئيس، وليست كما حاول ان يصحح لي قارئ كريم، مؤسسة تقرر كل شيء ولا يبقى للرئيس سوى اعلان القرار. هذا تفاؤل مبالغ فيه وجهل بأميركا التي تتغير فيها 4 آلاف وظيفة كبرى مع تغير الرئيس. وهذا جهل بالنظام الذي يسمح للرئيس بأن يعين سفراءه في موسكو وباريس ولندن وغرينادا من بين الذين تبرعوا لحملته الانتخابية.

ما دام الرئيس هو الذي يختار ادارته فهو صاحب قرارها. انتقى كلنتون مادلين اولبرايت سفيرة، ثم وزيرة خارجية بسبب خدماتها الانتخابية. وانتقى جورج بوش كوندوليزا رايس لأن مستشار والده، الجنرال سكوكروفت أوصى بها بعدما تعرف اليها لدى بعض الأصدقاء. وفي النهاية مسألة بشر وبشر. وما الحملة الانتخابية إلا عملية مضنية لتفكيك وتحليل شخصية لا يعود لها أثر بعد الوصول الى الرئاسة. ربما الوحيد الذي لم يفاجئ احدا هو جورج بوش الابن. عملا بشواذ القاعدة لا بالقاعدة نفسها.