الجن يدرسون طلبة جازان!

TT

يزعم أحد المعلمين أن نفرا من الجن كانوا يتناوبون خلال 10 أعوام على تدريس طلاب مدرسة ابتدائية بجازان مادة الدين، ويقول: «ما أن أدخل إلى الفصل وأبدأ بكتابة العنوان على السبورة حتى ينطلق الجني على لساني لشرح المادة نيابة عني للتلاميذ».. هذا ما أوردته صحيفة «عكاظ» السعودية في عدد الجمعة الماضية.

وأنا أحمل وزارة التربية والتعليم إذا ما قبلت هذا الزعم مسؤولية استعادة رواتب العشر سنوات التي تسلمها ذلك المعلم باعتبار أنه لم يبذل أي جهد سوى كتابة العنوان على السبورة، وبطبيعة الحال لن يطالبها أحد من العقلاء بتحويل الراتب بعد ذلك لحسابات الجن..

وقد وجد ذلك الزعم دعما من إمام لأحد المساجد بجدة، مشيرا إلى أنه لا يستبعد ذلك، ومستشهدا بحالة لأحد الشعراء كان له شعره المتميز، ولم يعد يفقه شيئا منه بعد علاجه من الجني الذي كان يتلبسه.. وفي تقديري أن ما حدث لذلك الشاعر ـ الذي استشهد به إمام المسجد ـ معروف لدى المشتغلين بعلم النفس والطب النفسي، فلقد لاحظ بعض العلماء أن المبدع إذا ما خضع للتحليل النفسي ـ أو أية عمليات قريبة من ذلك ـ قد يتعرض لأن يفقد شيئا من قيمته الفنية، وقد ينقطع إبداعه لأن التحليل النفسي من شأنه أن يعقد مصالحة بين الفرد والواقع، فتذبل حياة الخيال، ويفتقر المبدع عندئذ للروح المحركة. «الطب النفسي معناه وأبعاده».

ووهم تحميل الجن مسؤوليات الإبداع قديم قدم المبدعين، إذ كان العرب في جاهليتهم يرون وجود قرين من الشياطين أو الجن يملي على الشاعر ما يقوله، وشاع بينهم أن جني الشعر لدى امرئ القيس كان يسمى «لافظا»، كما أطلق على صاحب عبيد بن الأبرص «هبيدا»، أما قرين النابغة الذبياني فـ«هاذر».. ولا أحد اليوم في ظل الوعي الديني والمعرفي يتداول مثل هذه القناعات لتفسير الإبداع، أما ما ذهب إليه المعلم من تناوب الجن على تدريس الطلاب مادة الدين على مدى عشر سنوات، فلم يسبق لي أن قرأت في تراث الأولين والمعاصرين شيئا من ذلك..

وتبقى كلمة أخيرة: لقد أصبح من الضروري جدا على العلماء تنقية ما أحيط بأذهان الناس من أفكار خاطئة عن الجن والشياطين في ضوء ثوابت الدين، لكي لا يعلق الناس كل همومهم الحياتية على مشجب العفاريت.

[email protected]