أفضل نصيحة طبية

TT

تكاد وصايا الطب والأطباء تتجاوز عددا ووزنا وصايا الأئمة والفقهاء، مع فارق واحد. الفقهاء عندنا يتمسكون بما قاله السلف قبل قرون في حين أن أطباء هذا الزمان لا يتمسكون مساء بما قالوه صباحا. أصبحوا يغيرون أفكارهم من يوم إلى يوم. كانوا قبل أعوام ينصحوننا بتحاشي الأطعمة الليفية واليوم يحثوننا على الإكثار منها. كانوا يحذروننا من تناول النبيذ واليوم يقولون إنه مفيد للقلب. لم أعد أصغي لهم. النصيحة الوحيدة التي أجدها جديرة بالملاحظة والحفظ هي القول الإنجليزي: «الزمن خير علاج». أصبحت أرددها لكل الزملاء من المسنين الذين يشكون من الصداع النصفي وآلام الظهر والرجلين ونحو ذلك. قلتها لصديقي عبد المولى الذي احتفل بميلاده التسعين قبل أيام. قلت له، ولا يهمك. هذا الوجع سيزول بمرور الزمن. قال، أي زمن؟ أنا الآن في الواحد والتسعين!

تذكرني هذه النصيحة الذهبية بما يجري في العراق. ولهم تاريخ عريق في ذلك. قالوا إنهم عانوا قبل قرون من حاكم ظالم وما أحاقه بهم من فقر وجوع وطغيان. قرر أهل بغداد السير في موكب محترم لمقابلته وعرض مظالمهم عليه. راح رئيس الوفد يشرح له كل ما أصبح القوم يعانون منه ويطلبون العطف والرحمة من لدنه. استمع إليهم باهتمام، مما يعتبر شيئا نادرا في هذه الأيام، ثم التفت إلى كبيرهم وقال: هذا شيء محزن ومؤسف. ولكنني اعاهدم أنه لن تمر أربعة أو خمسة أعوام قادمة حتى تزول معاناتكم هذه وتنعمون بعيش طيب.

هلل القوم لمقاله. ابتسموا وانتعشوا. ثم عاد كبيرهم لمخاطبة الحاكم وقال: أنفهم من ذلك أن كل هذا الفقر يا حضرة الوالي، وكل هذا الظلم والجوع سينتهي ويزول من بلادنا؟

أجابه الوالي قائلا: كلا. لم أقل هذا. ما كنت أعنيه هو أنكم بعد أربعة أو خمسة أعوام ستصبحون معتادين على كل ذلك ويطيب لكم العيش في أعينكم.

وهذه حكاية من حكايات العراقيين ولا عجب.

الزمن خير علاج. وهو ما لمسته مؤخرا من كلام أصحابي. يقولون الأحوال الآن في خير. البارحة ماتوا عشرة فقط في البصرة في حوادث التفجيرات.