قراءة سفير في القاهرة

TT

في ثنايا تقارير السفير البريطاني في القاهرة، ويلي موريس، في عهد الرئيس المصري الراحل انور السادات، توقعات بتعاظم الخطر بعد زيارته الى اسرائيل. ووفق النصوص التي تنشرها «الشرق الأوسط» عن وثائق وزارة الخارجية البريطانية، التي أفرج عنها حديثا، يبدو أن المجتمع الدبلوماسي في العاصمة المصرية كان متشككا من الزيارة، ومن استرداد سيناء، وكان متوجسا من كارثة مقبلة، رغم ان السادات حينها حصل على تأييد شعبي كبير في بلاده، لكنه جوبه بحملة عدائية واسعة في الخارج قادتها بغداد آنذاك.

كتب السفير لرؤسائه متوقعا احتمال ان يقتل السادات على يد فلسطينيين أو متطرفين دينيين، لهذا استغرب جرأة الرئيس المصري تحدي كل ذلك، وروى كيف ركب سيارة مكشوفة ودار بها بسرعة بطيئة في شوارع القاهرة لساعة ونصف الساعة، ليحيي الجماهير التي خرجت لاستقباله. كتب السفير تقريره هذا قبل عامين من توقيع اتفاق كامب ديفيد، الذي أعاد عمليا كل الأراضي المصرية المحتلة، باستثناء بلدة طابا التي استعيدت لاحقا.

ولا يمكن فهم الشعور المشوش عند الجميع في تلك الفترة، كما نفهمه اليوم، لقد مرت ثلاثون سنة على الصدمة المصرية للعالم العربي. وكانت صدمة كبيرة، لأنها جاءت من القاهرة التي قادت المنطقة الى القناعة التامة بالحل العسكري، ونجحت في استخدامه في حرب رمضان من قبل السادات نفسه، قبل الزيارة بأربعة أعوام. ومن الطبيعي ان يسبب الانتقال من النقيض الى النقيض الكثير من التشويش عند مجتمع واسع من الناس رضعوا حليبهم على أغاني الحرب لا دعوات السلام.

ومع أن السادات سياسي مناور ماهر، بدليل أنه كسب كل ما أراده للمصريين لاحقا، إلا أنه كان سياسيا فاشلا في التفاهم مع العرب عموما، الذين خسرهم جميعا تقريبا. فهو، بخلاف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لم ينجح في تأسيس تحالفات عربية قوية، باستثناء فترة ذهبية قصيرة اعقبت انتصاره في حرب الـ73. وربما هذا يفسر نجاح الحصار الذي ضرب عليه عربيا، وفشله في صياغة حل شامل للقضية الفلسطينية، ويفسر انغلاقه وعجزه عن قيادة العالم العربي، حيث نزعت منه الجامعة العربية وعقابا لمصر نقلت الى تونس. واتصور أن السادات كان قد حسم أمره مبكرا وقرر أن يبقى مصريا، مقتنعا بالدعاية التي أطلقها إعلامه حينها، ان مصر هي التي تضحي وبقية العرب كانوا يجنون ثمار المواجهة، في إشارة الى دول الخليج والعراق، التي بدأت تستمتع بارتفاع أسعار النفط، وتقف ضده، أو على الأقل ترفض مساندته في اختياره طريق التفاوض مع الإسرائيليين.

بعدها بعقود آمن كل العرب بنظرية السادات في التفاوض، ففاوضوا مباشرة أو قبلوا بالمبدأ، إلا أن الثمن تبدل كثيرا، والقضايا تعقدت كثيرا ايضا.

خرج السادات من الصورة تاركا وراءه أكثر القضايا جدلا حتى يومنا هذا. فلا حرب حوربت ولا سلام تم التفاوض عليه.

[email protected]