اليمن يغرق في عاصفة الانفصال.. والإرهاب.. وإيران

TT

يواجه اليمن أزمات عديدة على كافة المستويات إلا أن تزايد نشاط الحركات السياسية التي تعمل وفق عقائد دينية وسياسية متطرفة ونابذة للدولة ومتبنية للعنف والإرهاب لمواجهة النظام السياسي، تمثل أبرز الإشكاليات المهددة لمستقبل الدولة اليمنية. وهذه التيارات السياسية تتضخم قوتها في مواجهة الدولة نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة وانتشار رقعة الفقر وزيادة عدد الغاضبين على النظام من جراء غلاء المعيشة وتفاقم أزمة الفساد، وأيضا نتيجة بروز القبيلة كلاعب أساسي في السياسة اليمنية.

وما زاد الطين بلة أن القوى الفاعلة في الساحة اليمنية تتصارع على مسائل تقاسم السلطة والثروة، وفق آليات متناقضة مع دستور الدولة وقوانينها الناظمة ومن خلال اتباع سلوك سياسي متناقض مع الشعارات المرفوعة، بل تم تحويل القيم والقضايا إلى أداوت في صراع المصالح بين أعضاء النخبة في بلد موارده محدودة ولديه انفجار سكاني ويعيش الكثير من مواطنيه تحت خط الفقر.

إلى ذلك فالمتابع للشأن العام اليمني لا بد ان يلاحظ أن كل طرف في الحكم والمعارضة يبذل كل جهده من أجل فرض إرادته على الآخر ويوظف القوة التي يملكها ويستخدم الأوراق المتاحة لمغالبة الآخر، حتى وإن تناقضت مع مستقبل اليمن، كل ذلك سدّ آفاق الحوار رغم الدعوات المتبادلة من الطرفين، ومن الواضح أن هذه الوضعية أفقدت النظام السياسي قدرة التركيز على معالجة المشاكل التي يعاني منها الواقع اليمني.

والملاحظ أنه كلما تفاقمت المشاكل الداخلية وهيمنت روح الصراع على المصالح وفق آليات غير محكومة بالدستور والقانون الناظم للدولة، فإن الدولة تضعف لتنمو في المقابل القوى النابذة للدولة والحركات المتبنية للعنف والإرهاب.

وبينما يتهم الحزب الحاكم المعارضة بأن خطابها المشكك بشرعية الحكم والقائم على الكراهية والمتعاطف مع تلك الحركات قد أضعف الدولة وهيبتها ومكن لتلك الحركات من تهديد مستقبل اليمن، فإن المعارضة بدورها تحمل الحاكم المسؤولية وتعتقد ان الفساد واستحواذ الحزب الحاكم على مفاصل السلطة واستبعاد القوى السياسة الفاعلة من المشاركة في السلطة والثروة وعدم اهتمامه بمشاكل الواقع هي من يسهل الطريق أمام الفوضى.

وفي الفترة الأخيرة وفي خضم الصراع بين الحاكم والمعارضة، تعاظم دور الحركات السياسية المتطرفة المتحدية للدولة والرافضة لشرعية النظام السياسي. وأبرز تلك الحركات: الحركة الجنوبية المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله، والثانية الحركة الشيعية الأصولية الحوثية في شمال اليمن والثالثة تتمثل في تنظيم القاعدة الأصولي المنتشر في الأراضي اليمنية شمالا وجنوبا، وهذه التيارات رغم تناقض أفكارها وأهدافها البعيدة، إلا ان هناك شبه اتفاق فيما بينها على تشطير اليمن الموحد إلى دولتين باعتباره الطريق الأفضل لتحقيق أهدافها، كما أنها تعتقد ان مواجهة النظام السياسي وتدمير الدولة يمثل أفضل الوسائل لتحقيق الأهداف.

أما الجامع الأساسي لهذه الحركات فهي اعتمادها على القبيلة، إما من خلال اللجوء إليها وتحويلها إلى مكان آمن لممارسة أنشطتها ومأوى لحمايتها من مطاردة الدولة وبيئة ملائمة للتجنيد كـ«القاعدة»، أو بالاستناد إلى وعيها وتحريك الوعي العصبوي باسم الجنوب لمواجهة الشمال كالحركات المطالبة بالانفصال، أو من خلال الاستناد إلى قوتها بعد أدلجتها لمواجهة الدولة كما هو لدى الحركة الحوثية.

ولتوضيح طبيعة هذه الحركات والأهداف التي تحركها ولماذا اتفقت جميعها على تقسيم اليمن، فسنحاول استعراض كل حركة من دون الدخول في التفاصيل. فيما يخص تنظيم القاعدة أوضحت بعض التقارير أن اليمن مازال مكانا آمنا للتنظيم وأن القاعدة تتحاشى مواجهة النظام السياسي حتى تكون قادرة على الحركة. ومن جانب آخر، أسهم ضعف الدولة في مواجهة القبيلة والمجتمعات المحلية في تسهيل عمل القاعدة، ويتهم البعض النظام السياسي بأن نتيجة مشاكله والتناقضات الموجودة في بنيته وتفشي الفساد أصبح كل طرف يوظف أفراد التنظيم لصالحه.

والمؤكد أن اليمن حاول مواجهة «القاعدة» من خلال الحوار للحد من نشاطها، إلا ان تناقض الأفكار والمصالح والأجندة يفجر الصراع بين الحين والآخر. وما يؤجل الصراع ـ حسب بعض المحللين ـ أن بعض أعضاء النخبة الحاكمة يرى ان «القاعدة» يمكن توظيفها في الصراع من اجل الوحدة والتي تشكل قيمة مطلقة ونهائية لا يمكن التنازل عنها لدى جميع أعضاء النخبة الحاكمة، مما يجعل أي سلوك مبرر لحمايتها. لذلك كلما تضخمت أصوات الانفصال ارتفعت اسهم «القاعدة»، ولكن «القاعدة» ترى ان قوة الدولة ستعيق حركتها، وربما تقرب من نهايتها.

لذا فإن إضعاف الدولة اليمنية وخلق انقسامات داخلية وتفكيك عرى الوحدة هي من الاستراتيجيات التي تتبناها القاعدة كتنظيم عالمي بحيث تتحول جبال اليمن وصحاريه شمالا وجنوبا إلى مراكز للتدريب وتصدير المقاتلين إلى منطقة الخليج والعراق والعالم ويتم تحويل اليمن إلى مركز عالمي لـ«القاعدة».

فالقاعدة ترى ان الانفصال سيدخل الأطراف السياسية في أتون صراعات لا نهاية لها. وهذا سيضعف الدولة والمجتمع ويمكنها من الحركة وممارسة أنشطتها بحرية خصوصا في جبال اليمن الجنوبي وصحرائه الواسعة وشواطئه الطويلة.

وفيما يخص الحركة الحوثية، فقد حاولت ان تسيطر على مناطق تواجدها في جبال صعدة الحصينة بهدف تحويلها إلى مركز لتصدير افكارها، ولكن ممارستها للقوة في مواجهة الدولة أعاق طموحاتها الواسعة، وهذه الحركة رغم ارتكازها على شرعية زيدية، إلا ان ايديولوجيتها متأثرة إلى حد كبير بالمذهب الإثنى عشري وبالأيديولوجيا الخمينية وتجربة حزب الله في لبنان.

وهذه الحركة متوافقة ومتعاطفة مع الحركات الانفصالية من بداية ظهور ملامح هذا الطرح في بداية التسعينيات. فالوحدة اليمنية كما ترى هذه الحركة قد اضعف التيار الزيدي لصالح السلفية والإخوان المسلمين، وأعاق طموحها في بناء دولة زيدية.

واتفاق الحوثية مع الدعوات الانفصالية على إضعاف النظام السياسي وإسقاطه، جعل المراقبين يرون ان ارتباط الحركة بالاستراتيجية الإيرانية جعلها تتبنى فكرة الانفصال حتى تتمكن من السيطرة على اليمن الشمالي باعتباره من ناحية تاريخية مرتكزا للمذهب الزيدي. كما ان الانفصال قد يقود أبناء الشمال إلى التوجه نحو ايران لتتحول اليمن الشمالي إلى منطقة نفوذ إيراني لمواجهة الخليج والولايات المتحدة.

وفيما يخص الحركات الجنوبية المطالبة بالانفصال وإعادة تقسيم اليمن إلى دولة شمالية وأخرى جنوبية، فإنها ترفض شرعية دولة الوحدة ورغم طابعها السلمي في البداية إلا أنها في الفترة الأخيرة تبنت شعارات فوضوية عنصرية في مواجهتها للدولة. ورغم التبريرات التي تضعها الحركات لشرعنة مطالبها، إلا ان الحركة تعبر عن نخبة سياسية فقدت مواقعها في حرب 1994، وهذه النخبة استطاعت ان تبث ثقافة نابذة رافضة لدولة الوحدة بين ابناء الجنوب من خلال بث الكراهية والحقد لكل ما هو شمالي باعتمادها على قيم قبلية مطعمة بشعارات حداثية.

وفي طفرة الصراع بين الدولة والحركة الانفصالية أعلن بعض قيادات الحراك الجنوبي أنها قد تلجأ إلى «القاعدة» في صراعها مع النظام، وقد عمد عضو مجلس نواب، ينتمي للحركة الانفصالية في الأيام الماضية، الى التهديد بتنفيذ هجمات انتحارية ضد قوات الأمن، وطالب بالثورة المسلحة لمواجهة الدولة.

ولكشف العلاقة بين هذه الحركات المتطرفة فان أحداث الأسبوع الماضي الذي أتى بعد انعقاد القمة العربية يوضح بجلاء تلك العلاقة، فقد أصبحت الساحة اليمنية الخبر الرئيس في وسائل الإعلام، حيث انفجر الوضع في صعدة، وبدأت الوساطة القطرية تتعثر وتجدد الصراع بين الحوثية والدولة. وفي الوقت نفسه انفجر الوضع في الجنوب وبدأت الحركات الجنوبية تتجه نحو العنف، وتزامن ذلك مع استهداف الأجانب في العاصمة صنعاء من قبل «القاعدة».

وهذه الأحداث المتزامنة تدفعنا للتساؤل: هل هناك علاقة بين غياب الرئيس عن القمة وهذه الأحداث؟ أم أن انفجار الوضع هو نتاج لأزمات اليمن المتراكمة؟ وهل التفجيرات الأخيرة في صنعاء لها علاقة بالخدمات المتبادلة بين تنظيم القاعدة في اليمن وتسهيل تمرير مقاتليها إلى العراق؟ وهل اتجاه اليمن نحو محور الاعتدال لتحقيق مصالحة، قد أغضب «القاعدة» ودفع الآخرين لتهديد اليمن؟ وما دور القوة الداخلية الرافعة لشعارات مواجهة العالم في الأحداث الأخيرة بعد ان تبنى الرئيس صالح سياسات خارجية قريبة من سياسات الدول المعتدلة؟ وهل لإيران يد في دعم الحراك الجنوبي من خلال دمشق؟ خصوصا وقد أكد مصدر إعلامي في الحزب الحاكم ان علي ناصر محمد رئيس اليمن الجنوبي الأسبق المقيم في دمشق متورط في دعم أعمال العنف الأخيرة في الجنوب.