رأي الشعوب العربية (ثم ماذا؟)

TT

(ثم ماذا؟) أو (So, What?) كما تعبر عنه الانجليزية، تحمل في طياتها أحيانا غطرسة خاصة حين يتفوه بها السياسي، ففي مقابلة متلفزة مع نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، قدم له مراسل محطة التلفزيون الأميركي «ABC» نتائج استطلاع الرأي تظهر أن معظم الأميركيين منتقدون للحرب على العراق . فرد تشيني ـ بسخرية ـ قائلا (ثم ماذا ؟). وحين سئل تشيني: «إذاً، أنت لا تعبأ بما يفكر فيه الشعب الأميركي؟". أجاب بـ«لا»، ولو كان يجيد اللغة العربية لزاد «ولا كرامة».

ربما نقل اللوم عن نائب الرئيس تشيني حين لا يكترث أو يسخر بنتائج استطلاعات رأي شعبه الأميركي أو أيا من مخرجات العملية الديمقراطية في بلده، لأن هناك أصلا تناقضات في هذه المخرجات فالشعب الذي يعارض أغلبيته العمليات العسكرية الأميركية في العراق هو ذاته الذي أعاد انتخاب الرئيس بوش المتحمس رقم واحد في هذا الكون لمواصلة هذه العمليات حتى آخر رمق في حياته الرئاسية، ولو لم يعيد الشعب الأميركي انتخاب الرئيس بوش عطفا على إخفاقاته المذلة على الساحة العراقية لكفى، فكيف إذاً أعاد انتخابه وهو الذي أغرق جيوشه الجرارة في مستنقع الاخفاقات بناء على كذب وتدليس وتشويه للحقائق؟

ومع أن الحكومات الغربية تتفاوت فيما بينها حول الاهتمام بنتائج الاستفتاءات واستطلاعات الرأي إلا أن أميركا وبريطانيا تظلان أكثر الديموقراطيات في التقليل من تأثير الرأي العام على سياساتهما كما فعل تشيني، وأيضا حين أدار توني بلير ظهره وجعل أصابعه في أذنه واستغشى ثيابه تجاه أصوات استطلاعات الرأي والمعارضة الشعبية والحزبية القوية ضد استمرار مشاركة القوات البريطانية في العراق.

أما تاريخنا نحن العرب مع الاستفتاءات والرجوع إلى الرأي العام فليس فيه إلا النسب التسعينية المعروفة المخزية، الذي شذ عن النسب التسعينية أحد الرؤساء العرب الذي أجرى استفتاء على أحقيته في الاستمرار في الرئاسة حصل بموجبه على نسبة 115% فلما سألوه كيف حصل فخامتكم على هذه النسبة المستحقة؟ قال: إن الأجانب القاطنين في البلد أبو إلا المشاركة في التصويت!!

الذي يبعث على الأمل من الخروج من نفق النسب التسعينية العربية المخجلة، أن الأنظمة الغربية قد سبقتنا إليها في بداية تطبيق الاستفتاءات الشعبية، ففي أول استفتاء شعبي حصل في فرنسا عام 1793 كانت نسبة من قالوا «نعم» 99.99%. ولم تقل هذه النسبة عن 90% في خمسة استفتاءات جرت خلال نصف قرن حول المواضيع التالية (تفويض نابليون في وضع دستور، دستور نابليون، نابليون قنصل مدى الحياة، نابليون إمبراطور، نابليون إمبراطور)، وفي إسبانيا طرح الجنرال فرانكو عام 1966 قانون الوراثة من بعده على الاستفتاء الشعبي فأسفر عن أن عدد الذين قالوا «نعم» أكثر من عدد المسجلين في جداول الاقتراع، ولو قال أحدكم أن هذا يذكرنا بالزعيم العربي صاحب نسبة 115% فأحسن تفسير أن فرانكو من سلالة المولدين بعد الحكم العربي للأندلس فتكون نتيجة استفتاء فرانكو مبررة، يبقى السؤال المر: هل سيكتب على العرب أن يقضوا مائتي عام حتى تتحسن مصداقية استفتاءاتهم كما فعلت فرنسا؟ أم أن هذه المدة الطويلة أيضا إغراق في التفاؤل؟

[email protected]