فتح الملفات في حفل الأولمبياد

TT

من السودان الى التبت حوصرت الصين بقضايا لم تكن محل رأي عام واسع من قبل. ولا أدري إن كان الصينيون يشعرون اليوم بان الالعاب الاولمبية تستحق كل هذه المعارك التي وجدوا انفسهم في وسطها، فهم ارادوا تنظيم الدورة كجزء من حملة لتحسين علاقات الصين مع العالم لكنها صارت مدخلا لتشويه سمعتها. مظاهرات عمّت انحاء العالم تساند مطالب اهالي التبت بالاستقلال، واخرى ضد ما تعتبره قمعا للحريات داخل الصين الكبرى، وثالثة ضد موقف بكين في قضية دارفور. وقد تكالبت عليهم أسماء لامعة في عالم السياسة والادب والفن، ولوحقت الشعلة الاولمبية بالمظاهرات، واضطرت دول مثل فرنسا الى حمايتها بآلاف من رجال الشرطة، وانتشرت دعوات بمقاطعة البضائع الصينية واخرى صينية بالرد بمقاطعة البضائع الفرنسية.

واذا كان المتظاهرون يريدون حمل الصين، وكذلك المجتمع الدولي، على تقديم تنازلات في ملفات معلقة مثل التبت التي تجد تعاطفا واسعا في عدد كبير من المجتمعات الغربية فانهم، كما يبدو، يدفعونها الى موقف معاكس. فليس من المتوقع ان يحني التنين الصيني رأسه للضغوط في وقت يريد ان يحتفل بنجوميته كقوة كبرى من جديد، خاصة ان التحدي الذي فرض عليه في التبت نزل الى الشارع في اضطرابات علنية جعلت الصينيين يشعرون بانهم في اختبار مماثل لمسابقات الاولمبياد. والليونة الصينية في المسألة السودانية تعود للاسلوب الذي مورس عليها. ففي موضوع دارفور مورست ضغوط كبيرة على الحكومة الصينية التي مررت بدورها الضغوط على الحكومة السودانية التي قبلت بالسماح للقوات الدولية ولجم ميلشياتها الجنجويدية. جاءت الاستجابة الصينية لان الضغوط جاءت في معظمها خلف الستار عبر القنوات الدبلوماسية، وربما بلغة تهديدية مبطنة بمقاطعة الاولمبياد. أما معركة التبت الانفصالية فقد رأى الصينيون في مظاهراتها واحتجاجاتها تحديا ظاهريا واستغلالا لرغبتهم في مسألة استضافة الاولمبياد الدولي.

عمليا هذه اول مرة تجد فيها الصين نفسها في محنة سياسية شعبية الطابع، حتى في ايام الحرب الباردة، والعداء الطويل لحكم ماوتسي تونغ، لم تكن بكين محل الملاحقة حيث حظيت موسكو بمعظم المواجهة الدعائية.

والصينيون يرون ان الحملة ليست بريئة بل صممت لتوافق الالعاب الاولمبية من قبل خصومها من معارضيها في التبت ومعارضيها داخل الصين وخارجه. فخصومها شعروا باهتمام بكين المفرط برعاية الالعاب الاولمبية، التي تريدها ان تكون تتويجا للقوة الصينية الجديدة، محل اعجاب الكثيرين في العالم حتى الذين يختلفون معها سياسيا. المعجزة لم تكن محسوبة من قبل صمود النظام الصيني وصعود اقتصاده السريع، الذي بلغ فائضا ماليا حد تملك ربع السندات الاميركية، ليصبح اكبر مقرض للولايات المتحدة.

[email protected]