أحلام الشباب: فلسطين!

TT

هل هذه الملامح التي رآها الفرنسيون عندما غزوا مصر هي ملامح المصريين النفسية. لقد رأوا وجوها ممسوخة الملامح مستسلمة الأعصاب وقد أسندت ظهورها إلى الحائط وجلست في صمت ونامت. هل هؤلاء هم المصريون؟ هل الاحتلال الطويل والإذلال الأطول جعلنا سلبيين مسالمين مستسلمين. هل الحكومات الشمولية منذ أيام الفراعنة هي التي قالت للشعب: لا عليك.. نحن الذين نكسوك ونطعمك ونعالجك ونسخرك ونهد حيلك فلا تفكر.. ولا تحاول؟ هل ثورة 52 ـ حركة الضباط الأحرار وانقلابهم ـ هي التي جردت الشعب من أية إرادة أو قرار وأنها هي التي تكفلت نيابة عنه بكل شيء وليس عليه إلا أن ينتظر ويصبر وربك يعدلها.. واللى تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش، والقريب أحسن من الغريب، واللي قبلنا خدوا إيه؟! وفي حوار مع شباب صغير قال كلاما فتح دماغي أثارني أطلقني بعضي على بعضي. وقالوا لي: إنهم تمنوا أن يعيشوا في فلسطين. ولا تزال هذه أمنيتهم. فالشعب في غاية اليقظة.. والشجاعة والبطولة. صحيح أنه لا يجد ما يجده فالدنيا عنده ليست مائدة ممدودة وعليها طعام جاهز. ولا يستطيع مثلنا أن ينام والباب والشباك مفتوحان.. ولا يفكر في أي شئ. فالتفكير عندنا ترف.. لسنا في حاجة إليه.. وإنما هو كل شيء عنده قيد البحث. فإن جلس في البيت هل يبقى؟ وإن خرج هل يعود وإن عاد هل يجد البيت وإن وجد البيت هل يجد أولاده وإن وجد أولاده هل يجدهم قد أكلوا وشربوا، وإن لم يجد الطعام هل يجد الشراب، وإن وجد الشراب هل يجد النوم وإن طلع عليه النهار هل يمكن أن يمشي في الشارع إلى عمله وإن وجد العمل فإلى متى؟

حياة الفلسطيني: علامات استفهام وتعجب، ويومه بلا غد وغده بلا غد، إنه في خطر دائم فهذه هي الحياة: أن يعيش في خطر. وأن يعيش على أمل.. وأن أمله ليس فقط أن يعيش هو وإنما أن يعيش الشعب كله. وعندهم أمل في أن تكون لهم دولة يموتون في سبيلها. وهم على يقين من أنهم لن يعيشوا حتى ينعموا بالأمن والأمان والاستقرار وأن يقف الزمن طابوراً ثابتاً منتظماً: الأمس واليوم والغد.. والطعام والشراب والنوم والتعليم والتقدم.

ولما سمعت هذا من كثير من الشباب أسعدوني فقد اختاروا العمل والأمل والكفاح والكرامة والإصرار على أن يقولوا: لا للكسل والاستسلام وانعدام الأمل في شيء.. أي شيء!